البيان الختامي للمؤتمر الدولي الرابع تمكين الأسرة
البيان الختامي للمؤتمر الدولي الرابع
تمكين الأسرة: التأسيس الاجتماعي للحضارة الإنسانيّة
بيروت في 26 نيسان/أبريل 2024
اختتمت جامعة المعارف فعاليات المؤتمر الدولي الرابع الذي نظمته تحت عنوان: "تمكين الأسرة: التأسيس الاجتماعي للحضارة الإنسانية"، في حرم الجامعة في العاصمة بيروت، وذلك يومي الخميس والجمعة 25 و26 نيسان/أبريل 2024، بحضور ومشاركة نخبة من أصحاب المعالي والسيادة والسماحة والنيافة وأهل العلم والبحث وأساتذة وطلّاب الجامعات والحوزات العلميّة من لبنان والخارج.
بعد الافتتاح، ناقش المؤتمرون في خمس جلسات توزعت على يومين المحاور الآتية:
- المحور الأول: أثر التحولات الفكرية والاجتماعية على تفكك الأسرة الغربية.
- المحور الثاني: تفكك الأسرة في خدمة الاقتصاد الرأسمالي.
- المحور الثالث: مسارات واتفاقيات تفكيك الأسرة.
- المحور الرابع: الأسرة أساس الاجتماع الإنساني.
- المحور الخامس: تمكين الأسرة مشروع حضاري إنساني.
وانطلاقًا مما قُدِّم في المؤتمر من أوراق بحثية عالجت الإشكاليات المُثارة حول الموضوع، ومداخلات من قبل الحضور، خرج المؤتمر بما يلي:
أولًا – في الخلاصات العامة
- لا يمكننا إنقاذ الأسرة من دون إطارٍ ديني، وأخلاقي، وثقافي، كل هذه الأبعاد مرتبطة ببعضها البعض بشكل جذري في المجتمع، والإنسانية.
- لا معنى للأسرة ولوظيفتها، بمعزل عن الارتباط بالله سبحانه وتعالى. كلّ الحجج الأخرى يمكن نقدها والتشكيك بها، ولذلك نحن بحاجة إلى استعادة الثقة بكامل ثقافتنا وتقاليدنا، لأن الأسرة هي القيمة الثقافية الأولى للإنسان.
- لقد تمَّ تكوين وإيجاد هذا العالم وفقًا للسُّنن والضوابط، ومن بين تلك السُّنن الإلهيّة في الخلق سُنَّة خلق الزوجين، ولا يُستثنى الإنسان من تلك السُّنَّة الإلهيّة، فهناك ميل فطريٌّ للإنسان نحو الجنس الآخر، ممَّا يضمن له دوام صحَّته واستمرار نسله.
- الأسرة هي أساس المجتمع وقوامه، وكانت على مرّ التاريخ المؤسَّسة الاجتماعية الأولى. لقد جعلت التعاليم الإسلامية الأسرة أساس السكينة والوداعة والسموّ والمودّة والرّحمةِ.
- إن سعي المرأة لرفض التمييز ضدها وإنصافها من الغبن الاجتماعي والتاريخي الذي لحق بها عبر العصور بدأ محقًا، ولكنه للأسف ضلّ مساره، ووصلت الحركات النِّسوية إلى حد هدم بناء النظام الأسري بدلًا من السّعي لترسيخ العدالة والاستقرار.
- أصبح التسامح تجاه السلوك غير الطبيعيّ كالشذوذ الجنسي قيمة اجتماعيّة بادّعاء أنّها ديمقراطيّة، وحريّة، ونسامح، ... في حين أنّ التأثير المباشر لانتشار الشّذوذ على تدمير النظام الأسريّ والاخلاقي لا يحتاج إلى بيان.
- الدعوات التي تدعو اليها أدبيات الأمم المتحدة جعلت العلاقة بين المرأة والرجل علاقة نزاع، حيث تعزز فيه المرأة موقعها التفاوضي من خلال الاستقلال المادي، من دون أن تأبه هذه الدعوات الى وضع الأسرة واستقرارها وديمومتها.
- معاناة النساء والبيئة الأسريّة ستزداد مع مرور الزمن وسط جشع الرأسماليين ومالكي الشركات، وطمع الحكومات. وستسعى الحركة النّسْوِيّة لإعادة تكييف خطابها مع متغيرات السوق المستمرة، ليبقى مستوى الحرية النّسْويِّ مرتبطًا بسقف السوق، لا بالحريات الأساس التي تسعى المرأة لنيلها.
- المجتمعات الغربيّة هي اليوم مجتمعات سائلة بامتياز أي أنّها تحيا حياة سائلة قائمة على ثقافة سائلة، غارقة في الاستهلاك المفرط والنفعيّة المفرطة ومهمِلة إهمالًا جاحدًا لما يمثّله الماضي من إرثٍ وقِيَم.
- الغرب خائر القوى، فقد الحسّ الماورائيّ والعطش الماورائيّ، واختلطت عليه رؤية الحقّ والذات والآخر والعالم.
- أوّل ما رمت إليه الحداثة منذ نشأتها، هو التحرّر من وطأة الدين المكبِّل للعقول والإرادات حيث أدارت ظهرها لألف سنةٍ من اللاهوت والفلسفة، وتبنّت بلا تردّد إقصاء الله وتغييبه عن الفكر والحياة العامّة فكان نتيجة هذا التغييب تثبيت مرجعيّة الإنسان الوحيدة في كلّ ما يتعلّق بأموره وأمور الدنيا، وعليه لم تعد العائلة عندهم أصلا ولا مرفأ استقرار، بل هي مجموعة عَرَضيّة تضمّ أفرادًا تجمعهم مصالح أو ضرورات ظرفيّة. ولا مانع من تفكيكها.
- يكشف الواقع أنّ الأسرة اليوم باتت بحاجة إلى إعادة دراسة وتأصيل من حيث المكانة والتأسيس والأهداف والأدوار والوظائف والحقوق والواجبات، وسُبل الوقاية من آثار التحدّيات المعاصرة، بالاستناد على التراث الديني والأخلاقي الغني بكلّ العناصر البنيوية للكيان الأسري.
- تُعدّ الأسرة المربّي الأول في تنمية القيم الأخلاقية وتربية الأبناء وتشكيل شخصيتهم، وهي المكان الأول لتعليم الأخلاق ونشر القيم الأخلاقية وحمايتها، ولها تأثير وفعل حاسم في تكوين جوانب الشخصية لأفرادها.
- إنّ حسبان الأسرة أساس البناء الإنساني مرتبط بغاية البنيان الإنساني وهدفية خَلق الإنسان، فمن آمن بحكمة الله وقدرته اللامتناهية يعلم يقينًا أنّ الباري الحكيم إذا خلق شيئًا يجعل له هدفًا.
- اعتبر القرآن الكريم أنّ الرابطة الأسرية يجب أن تقوم على أمتن العلاقات والقيم الإنسانية؛ من السكينة والمودّة والحب والرحمة والاحترام.
- من دون الأسرةِ، سنكافحُ لفهمِ جوهرِ الإنسانيّة، التي تبدأ باتّحادِ الرجلِ والمرأة. ولا يمكنُ للرجلِ أو المرأة أن يحققا إنسانيّتَهما بشكلٍ كامل من دون الآخر.
- الأسرة ليستْ مجرّدَ بنيةٍ اجتماعيّة؛ بل تؤسّس لإعادة الكمال إلى الطّبيعة البشريّة. خلاف ذلك وأيّ نهج ليبرالي للزّواجِ أو الجندر يتجاهلُ هذه الحقيقةَ الأساس، فهو يهدّدُ النسيجَ الإنسانيّ والاجتماعي نفسَه.
- ومن منظور ثقافيّ وتقليديّ، يتكرَّر تأكيد أنَّ الشذوذ الجنسي لم تكن موجودة في الثّقافات التّقليديّة عند الشّعوب حتّى الأفريقيّة، إذ تُعدّ ممارسة حديثة وافدة من الغرب. ويرى كثيرون أنَّها فُرِضَت على الأفارقة بسبب وضعهم الاقتصاديّ المُتردِّي.
وقد أتت التوصيات على الشكل الآتي:
ثانيًا – التوصيات
- رفض الهيمنة الليبرالية والغربية في العالم الحديث التي تدمر اليوم الأسرة في غزة وفلسطين، وتعمل على تخريب البنى الاجتماعيّة والإنسانية.
- رفع راية الأسرة وتمكينها والدّفاع عن العائلة كنموذجٍ عرفته البشريّة، ودعت إليه الأديان، لأنه من دون الدين نفتقر إلى المعنى الوجودي العميق للعائلة.
- إيجاد مخارج آمنة للمرأة من هذا النفق المظلم الذي وصل إليه الغرب، وهنا لا بدّ من تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، وتأمين العدالة الحقيقيّة واتخاذ الاجراءات الوقائية لحماية القيم الاجتماعية.
- أمام انهيار الثقافة وانحطاط الأخلاق فإن البديل للشعوب التوّاقة إلى التقدّم يكمن في استنباطها حداثة غير مستوردة، تشبهها وتنبع من ثقافتها في ما يناسب تطلّعاتها المستقبليّة.
- على المجتمعات الحريصة على هُويّتها وثقافتها أن تستعجل المبادرة إلى رسم استراتيجيّات تربويّة وسياسات اجتماعيّة وقائيّة أو دفاعيّة تتدرّج، وفق الظروف، من الصحوة إلى التوعية فالتحصين فالمقاومة.
- في حالة الهرج والمرج الثّقافيّ العالميّ اليوم ينبغي تأسيس النظرية على أساس محوريّة الاسرة وتمكينها على أساس محوريّة القرآن ليغدو الملجأ الحضاريّ والثقافي للمسلمين وغير المسلمين.
- إعادة التّأكيد على ثقافة "المودة" والـ "المرجعية" بشكل صحيح في ثقافة المسلمين، لكونه مِن العوامل المؤثِّرة في تحقيق الجذبِ المعنويّ في الأسرة، وإعادة التئامَ أواصر المجتمع الإنساني.
- إنتاج خطاب بلغة معاصرة وعلمية، يؤكد العلاقة الطيبة والطردية بين الزواج وتطوير إمكانات المرأة ومكانتها وعملها وخدمتها للمجتمع.
- تسليط الضوء اعلاميًا وفي المناهج التعليمية على الدور العظيم للأسرة وخاصةً للمسؤوليّة التي تقوم بها الأم/ الزوجة في تحقيق هذا الدّور.
- أهميّة الإرشاد الأسري في حماية الأسرة في إطار المشروع الإنساني الحضاري.
انتهى البيان