عميد كلّيّة اللاّهوت في جامعة البلمند
الأب الدّكتور بورفيريوس جرجي
معالي الوزير الدّكتور بيار رفّول ممثّلاً فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون، راعي هذا المؤتمر الدوليّ، سعادة النائب الدّكتور قاسم هاشم ممثّلاً دولة الرئيس نبيّه برّي، أصحاب المعالي والغبطة والسماحة والسيادة الأساتذة الموقرين أيّها الحفل الكريم.
أبعث إليكم تحيّة محبّة وسلام من الكنيسة الأقدم في مشرقنا، كنيسة أنطاكيا وسائر المشرق الرسوليّة، التي منها انطلقت بشرى الإنجيل إلى أقاصي الأرض والتي طالما فتحت قلبها ومدّت يدها إلى لقاء الآخر ومصافحته، إذ تسعى كنيستنا إلى فتح باب الحوار على إخوتها المسلمين والمسيحيّين وإلى المبادرة على الدوام لملاقاة الآخر والتعاون معه بمحبّة ورخاء كبيرين، نحن شعب يؤمن بالسلام، ويتوق إليه، وقد سعى عبر تاريخه إلى تفادي منطق الحرب والسلاح وأدرك أنّ المواجهات العنفيّة لا تؤدّي سوى إلى الدمار والتشتّت والضياع وتعميق جروح الحقد والعداوة، لا إلى بناء الأوطان وصون الكرامات والقِيَم السامية، نحن نؤمن بالحوار والعيش الكريم المشترك، ولطالما أكّدنا أنّ المسيحيّين والمسلمين هما رئتان لجسد مشرقيّ واحد يقوم على المواطنة والعيش الواحد، وأنّنا نرفض كلّ ما من شأنه أن يسيء إلى الإسلام السمح، الذي اختبرنا وإيّاه طيب أخّوة وسلام عيش. كما نرفض ما يعطّل حقّ المواطنين كلّ المواطنين من ممارسة حقوقهم الوطنيّة.
مؤتمركم الدوليّ نحو ثقافة الحوار بين الأديان مباردة من الجمعيّة اللبنانيّة لتقدّم العلوم وجامعة المعارف، تأتي في أوانها لتوجّه الأبصار إلى سبل تلبية حاجة حيويّة في مشرقنا الحاضر، فإنّ ثقافة الحوار وحدها قادرة على أن تلد خبرات التكامل والإبداع وما أبعد بيئاتنا عن روح الخلق والإبداع، أضحينا مجتمعات منفعلة، تتلقّى نتاج الآخرين ويقتصر سعيّها على التفاعل معه، فلا نقدّم للعالم الفكر والعلم أو العمل الخلاق الذي يليق بتاريخنا وحضارتنا وإيماننا، إيماننا إيمانك وإيماني هو مصدر لكلّ خير وبرّ وسلام، هو قادر أن يحيي مجتمعاتنا ويهديها سواء السبيل، هو الأساس والمنطلق لكلّ حوار وتعارف، ولأخلاقيّات شرقنا، المتمسّك بالعائلة والمروءة والتعارف والعطاء والتفاني من أجل الآخرين، إنسانيّتنا اليوم في مخاض، هي بحاجة إلى صوت مشرقيّ أصيل، نابع من خبراتنا المتبادلة وعيشنا المشترك، صوت يذكّرها بجدوى الحوار والتعايش معًا من أجل التحرّر من سطوة السياسات والمصالح الضيّقة، وبلوغ ذهنيّة إنسانيّة تقوم على الميثاق والمصالحة.
ولا بدّ لنا من التصدّي لما نشهده في أيامنا من استغلال عبثي للدين، واستغلاله لمشاريع لا تخدم الإنسان، ولا تؤسس لخير مجتمعاته، نحن نؤمن بأنّ اللقاء والحوار والسلام لغة تتوق الإنسانيّة اليوم إلى سماعها، وأنّنا اليوم مدعوون لأن نتعاون ونتضامن فنقدّم للعالم أنموذجًا حقيقيّا للتلاقي وحوار الثّقافات والأديان، بهذا يكون شفاء كلّ جرح في الذاكرة التاريخيّة وفي العلاقات وبهذا نشهد أنّ الله سلام، وأنه نور السموات والأرض، الله محبّة، أصلي لكي يبارك الله مؤتمركم وكلّ مبادرة صالحة تخدم العيش الكريم للإنسان في لبنان، وفي محيطه العربيّ والمشرقيّ، ولكي يملأ سلام الله قلوبنا أجمعين.