كلمة رئيس الجمعيّة اللبنانيّة لتقدّم العلوم
البروفّسور نعيم عويني
فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون ممثّلاً بمعالي الوزير الدّكتور بيار رفّول، دولة رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيّه برّي ممثّلاً بسعادة النائب الدّكتور قاسم هاشم، أيّها الحضور الكريم، أحبّائي وأعزّائي.
قد يستغرب البعض العنوان الذي اخترناه للمؤتمر الدوليّ الذي تنظّمه جامعة المعارف مع الجمعيّة اللبنانيّة لتقدّم العلوم، ألا وهو "نحو ثقافة الحوار بين الأديان"، إذ اعتدنا على سماع عبارة حوار الأديان، التي طغت أخيرًا على مجتمعنا المتنوّع.
عندما اجتمعنا بداية لوضع أسس المؤتمر شدّدنا على كلمة ثقافة التي تعطي للحوار أطرًا أفضل وأهمّ، وبعدًا علميّا ثقافيّا بتنا نحتاج اليوم إليه في بلدنا، ولكن لم ولن نستغرب أن يولي فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون اهتمامًا خاصّا بموضوع المؤتمر وهو الذي يشتهر بتأييده الحوار بين مختلف الأديان أو بين مختلف الأطراف السياسيّة، إنّنا نقدّم خالص شكرنا لفخامة الرئيس لرعايته المؤتمر وتشجيعنا على الاهتمام بهذا الموضوع والمضيّ به قدمًا.
على معتنقي الأديان أن يتحاوروا فيما بينهم لما في ذلك من خيرٍ لنسج العلاقات الوطيدة لمختلف الجماعات. ولكي يكون الحوار مثمرًا عليهم أن يتعرّفوا على ديانة الآخر، ويعوا حاجته ومخاوفه، فمن سيكون أفضل من رؤساء الأديان والطوائف لإطلاق روحيّة ثقافة الحوار؟
اسمحوا لي هنا أن أشكر جميع رؤساء الأديان والطوائف في لبنان على تلبيتهم دعوة مؤتمرنا وحماستهم في التحضير له، وقد أكّد الجميع دون استثناء أهمّية الحوار بين الأديان وضرورته وحاجة الجميع له، ليس من أجل حلّ الأزمات الطائفيّة فقط لكن من أجل التواصل بين جميع الأطياف.
أمّا لماذا التشديد على كلمة ثقافة؟ لأنّ الحوار بين الأديان لا ينفصل عن الظروف السياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة التي ينتمي إليها أطرافها، لا بل يرتبط بها ارتباطًا وثيقًا، فيؤثّر ويتأثّر بها بشكل مباشر. من هنا تأتي ثقافة الحوار، أن يمتلك من يريد التحاور المعلومات عن الطرف الآخر وأن يتمتّع بالمعرفة اللازمة.
ثقافة الحوار بين الأديان تعني الاحترام والإصغاء وقبول الاختلاف ومن أهمّ شروطها الانفتاح المتزايد على الآخر والثقة به، أمّا من دونهما لا يمكن للقائنا أن يؤدّي المطلوب منه، ومن هذا المنطلق وإيماناً منّا بأهمّية وجود ثقافة الحوار بين الأديان، نُطلق أعمال مؤتمرنا هذا وسنضع ثماره بين أيدي الأجيال الشابّة التي من واجبها الحفاظ عليه من أجل مستقبل أفضل. وسيكون مادّة أساسيّة للأبحاث في جامعتنا وخاصّة الأبحاث المتعلّقة بالأديان والعلوم الإنسانيّة، واسمحوا لي أن أشكر رئيس جامعة المعارف الصديق البروفسور علي علاء الدّين، واللجنة المنظّمة، الدّكتور طلال، الدّكتور كمال، الآنسة إيمان، الدّكتور محمّد، الدّكتور وسام، الدّكتور فادي، الدّكتور عبدو، على الجهد الجهيد الذي وضعوه في تنظيم هذا المؤتمر.
مّما لا شكّ فيه أنّ الحوار بين الأديان سيكون أكثر إلحاحًا في المستقبل، إذ أنّ المؤشّرات التي نراها تؤشّر إلى أنّ هذا العصر سيعيش أزمات على صعد عدّة، وستؤثّر سلبًا على الحضارات والثّقافات كلّها، لذا يجب علينا تدارك الموضوع بسرعة والا عدنا للخلافات الدّينيّة والصراعات التي قد تجرّنا إلى الهاوية، هنا أي في لبنان والمنطقة حيث الأجواء متشنّجة، تتضاعف أهمّية الحوار بين الأديان لتصبح ضرورة من ضرورات استكمال الحياة الكريمة في ظلّ السلام العادل والاحترام المتبادل، والتطبيق النزيه لقواعد القانون الدوليّ.
ثقافة الحوار بين الأديان تساهم في التقارب بين مختلف الأديان والطوائف لإزالة العوائق والحواجز التي يضعها الأفراد بسبب سوء التفاهم المتبادل والأحكام المسبقة التي تحفظها الذاكرة الجماعيّة لطرف ما، رسالتنا اليوم في هذا المؤتمر هي حثّ النخب الفكريّة إلى توجيه ثقافة الحوار بين الأديان نحو المعرفة والعلم والمسؤوليّة كلّ من الموقع الذي يشغله، كما إلى إيجاد حلول وتسويات مستلهمة من روح الحضارات والثّقافات المتعددة، بحيث يطال الحوار أولاً حقوق الشّعوب وحقوق كلّ فرد منّا بدون استثناء، رسالتنا اليوم أن يتحوّل حوار الأديان إلى عامل فعّال في التوعية على أهمّية القضايا التي تصبّ في تطوّر الإنسان ونشر العدالة والمساواة والتعايش فيما بيننا، نحن نؤمن أنّنا من خلال الحوار بين الأديان نستطيع محاربة الانحلال الأخلاقيّ، وتفكّك الأسرة وانحراف الشباب ومقاومة الآفات التي تهدّد الأفراد والجماعات وتضرّ بالحياة الإنسانيّة، فنحن لا نتحاور فقط فيما بيننا من أجل التعايش المشترك بل نتحاور من أجل إيجاد حلول للكثير من المشاكل التي تهمّنا.
من الضروريّ هنا أن نعي أهمّية هاتين العبارتين مع بعضهما، حوار الأديان، فالأديان لا يمكنها التحاور مع بعضها إلاّ من خلال معتنقيها، والحوار يكون بين أشخاصّ ينتمون إلى أحد هذه الأديان.
من هذا المنطلق لا يجب تجريد هذا الحوار من صفة الإيمان بل من الضروريّ أن يكون باسمه، فلا يجب أن نضع هذا الإيمان جانبًا بل على العكس، يجب أن ينطلق من هذا الإيمان ودوافعه، وألاّ تزول عن هذا الحوار صفته الدّينيّة ويتحوّل إلى حوار عادي. لهذا من شأن حوار الأديان أن يساهم في توطيد السلام والاحترام المتبادل وروح المغفرة، في عالم يتّسم في كثير من الأحيان بالعنف والخوف من الآخر وفقدان الثقة به، فهو لا يؤدّي بأيّ طرف إلى الذوبان في الآخر بل يؤدّي إلى أن يكون أكثر رسوخاً في اعتقاداته دون انغلاق أو تعصّب. إنّه فعل انفتاح واحترام واعتراف بأهمّية وإمكانيّة العيش المشترك في ظلّ عالم تعدّدي.
أيّها السادة أختم كلمتي بشكر كلّ من ساهم في تنظيم أعمال هذا المؤتمر على الجهد الذي وضعوه لإيصاله إلى برّ الأمان.
وأخيراً وليس آخراً يبقى الله واحدًا وإن اختلفت العبادة، وشكرًا.