كلمة رئيس الاتّحاد العالميّ لعلماء المقاومة
الشّيخ ماهر حمود
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. الحفل الكريم السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.
تحدّث الإخوة الكرام وأفاضوا في أكثر النقاط، ونحن نؤكّد على أهمّية الحوار. فأصل كلمة الحوار العودة من الشيء إلى الشيء أي تأخذ الكلام وتعود به، والقرآن الكريم وسيرة الأنبيّاء جميعًا مليئة بالحوار بل أصل الدعوة إلى الله هي حوار، في القرآن حوار بين الله وملائكته: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾، وحوار بين ربّ العزّة والشيطان قَالَ ﴿أَنظِرْنِي إلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، حوار بين المسلمين والمشركين بين المسلمين وأهل الكتاب بين الإنسان والإنسان، بين كلّ أصناف البشر.
ولكن لأنّه حوار الأديان، والأديان تعود إلى إبراهيم (ع)، فلعلّ أجمل الأمثال حوار إبراهيم (ع) مع المشركين، وحواره مع الآخرين بشكل عامّ، ومع النمرود، وكلّ ذلك يدلّ على أنّ أصل الدّين حوار، وطبعًا حتّى لا نفرد وقتًا طويلاً لهذا أقول، أهمّ ما ورد في حوار إبراهيم (ع) أنه نزل إلى مستوى من يحاورهم، فمن المؤكّد أنّ الأنبيّاء بالفطرة لا يمكن أن يكونوا على شيء من الشرك، عندما رأى الكوكب قال هذا ربّي، لم يكن يؤمن أنّه إله لكنّه قال ذلك تمَشّيًا مع ما يعتقده قومه، كذلك لمّا رأى الكوكب والقمر والشمس، وفي آخر الحوار قال إنّي بريء ممّا تشركون، وفي آخر الآيات ﴿وَتِلكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
المحاور يجب أن ينزل إلى مستوى من يحاوره، كذلك في حوار المشركين، ﴿قُل مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾(يعني يا نحن يا أنتم) مع أنه يعلم أنّنا على حقّ، ولكن ينزل إلى مستوى المحاور حتّى يصل إلى شيء من الاستدراج إذا جاز التعبير، ينزل إلى هذا المستوى ويعطيه الحقّ في أن يحاور، كذلك ﴿لَمْ تَرَ إلى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ...﴾، وهذه حجة داحضة أن عفا عمّن حكم بالإعدام، أتى بحجّة أضعف، ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، إذًا إن كنّا نريد أن نحاور الآخر علينا أن نعترف بوجوده، وأن ننزل إلى مستواه، وأن نخاطبه بلغته فهذا شرط رئيسيّ للحوار.
أمّا إن كان الإنسان يعتقد أنّه فقط على الحقّ فلن يصل إلى شيء، وهذا دأب الأنبيّاء ألم نسمع إلى نوح وقد استعمل كلّ أدوات الحوار ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا، فَقُلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ ، يعني استعمل كلّ الأدوات ولكنّهم رفضوا في النّهاية، وفي النّهاية كان الطوفان.
يجب أن نتحلّى بالقدرة على حوار الآخر، انطلاقًا من أن نعترف بوجوده وأنه متناقض معنا تناقض البياض مع السواد، وقد يكون إذا كلمة حور تعني شدّة بياض العين مع شدّة سوادها، فهل يكون استدلال الكلّمة "الحوار" بين البياض والسواد بين الظلام والنور، تشارك أو تحاور كلّ من يتناقض معك حتّى لو كان التناقض هو تناقض البياض مع السواد، ولا يمكن للإنسان أن يعيش وحيدًا ولا يمكن للحياة أن تستمرّ هكذا.
ونحن في هذا العصر بحاجة إلى هذا الحوار، دون أدنى شكّ نحتاجه لأن نطفئ نار الحروب والأزمات، هؤلاء الذين يكفرون، هؤلاء الذين يقتلون وقد خبرناهم عن كثب، وحاورناهم فعلاً، تبيّن أنّهم لا يقرأون عن الآخر في كتبهم، يفهمون الآخر كما يقال لهم، وأنّهم لم يعرفوا الآخر من لسانه ومن اللقاء معه، وبالتالي كوّنوا الفكرة عن الآخر في خيالهم، في الكذب الذي وصل إليهم، وهكذا كان الأمر وهنا قد استدرك لأنّه في إحدى جولات الحرب اللبنانيّة، أحد القادة دون الدخول في الأسماء، قال في مرحلة من مراحل الحلول ولم يكتب لها النجاح، يقول للمحاور الذي كان معه، أنت أوّل مسلم في حياتي أجلس معه، فكيف كانت لا تكون الحرب، قائد يفهم المسلم دون أن يجلس معه، والعكس صحيح طبعاً، هكذا يجب أن نفهم أنّ الحوار يخفّف من كلّ شيء، وأعود فأقول خبرنا بعضًا من هؤلاء التكفيريّين بالفعل وعن كثب، وعلمنا أنّهم لم يعلموا عن الآخر إلا الأكاذيب وأفلحنا جزئيًّا في إنقاذ بعض هؤلاء من براثن التلوّث، ولكن لم نفلح مع آخرين، فهذا يحتاج إلى الكثير الكثير من الجهد.
في النّهاية أقول من يرفض الحوار إنّما يدين نفسه، الذي يرفض الحوار يعني أنّه ليس على ثقة فيما يحمل من أفكار أو من دين أو من سلوك، الذي يرفض الحوار يدين نفسه ولا يدين الآخرين، وإن شاء الله يكون هذا المؤتمر لبِنة في حوار يخرجنا ممّا نحن فيه إلى رحابة الإسلام، إلى سعة الإسلام، إلى الخير الذي جاءت به الأديان، وجاء به الرسل ﴿لَقَدْ أَرْسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ...﴾
دور الأنبيّاء ومن يتبّع الأنبيّاء أن يخرجوا المجتمعات إلى القسط إلى العدل وسيكون هذا قريبًا.
والسلام عليكم ورحمة الله