كلمة أمين عام المجمع العالميّ للتّقريب بين المذاهب
آية الله الشيخ محسن آراكي
بسم الله الرحمن الرّحيم، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آل بيته الطيّببن الطّاهرين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
ولا مرجعيّة كبرى إلا مرجعيّة العقل، العقل الذي يتّصف بهاتين الصفتين لا يحتمل الخلاف، ولا يحتمل الاختلاف، وهنا نجد في الفكر الإماميّ بالذات، يعني في فكر مدرسة أهل البيت (ع) التأسيس لهذا النوع من العقل، لهذا قسموا العقل في المدرسة الإماميّة إلى عقل ما قبل التشريع، وإلى عقل ما بعد التشريع، وإلى العقل الموازي للتشريع.
العقل الذي يسبق التشريع هو العقل الذي على أساسه يتم قبول التشريع، القبول المنطقي لحقانيّة التشريع، وهو العقل الذي على أساسه يمكن أن تثبت به إلهيّة الإله، ووحدانيّة الإله، ونبوّة النبيّ، حقانيّة مصدر التشريع، فالعقل الذي تثبت به حقانيّة التشريع يسمّى بالعقل السابق للتشريع، لذا لا بدّ إن أردنا أن ندخل في حوار بين الأديان أن نؤسّس لهذا العقل، وأن نحدّد معالم هذا العقل وأن نحدّد الأسس التي يقوم عليها هذا العقل السابق للتشريع، أو العقل السابق على الأديان كلّها، العقل الذي تقوم على أساسه حقانيّة الدّين، وتقوم على أساسه منطقيّة الفكر الدّينيّ.
وعندنا العقل اللاحّق للتشريع، ذلك العقل الذي يقول إذا ثبت التشريع من الله سبحانه وتعالى يجب على الإنسان أن يلتزم به، أو ما عبّروا عنه بقاعدة ضرورة العمل بالتشريع الإلهيّ، هذه القاعدة لا يمكن أن تستند إلا إلى عقل يتفّق عليه الجميع، لأنّ الشرع هو يقوم على أساس الإلزام، فالشرع ليس سوى مجموعة من الإلزامات من المصدر الأساسي للتشريع، وهو الله سبحانه وتعالى، هذه المجموعة من الإلزامات لا يمكن أن تلزم البشريّة إلا إذا وجد عقل يحكم بضرورة الإلتزام بالحكم الشرعي، وهذا العقل اللاحّق للتشريع.
وعندنا عقل يوازي التشريع، يسير مع التشريع، وهو العقل الذي يحكم بما يحكم به الشرع، العقل الذي يسند الشرع ويسند كلّ مبادئ الشرع، ولذلك فكلّ شرع أو كلّ قضيّة شرعيّة خالفت العقل الذي يوازي الشرع هي قضيّة لا يمكن الإلتزام بها، وفق القواعد التي أسست في علم الأصول لهذه الغاية.
هذه خلاصة النظرة التي تنظر بها المدرسة الإماميّة إلى العقل، ونحن نعتقد أنّ هذه الأسس التي بيّنت هنا يمكن أن تكون أساساً للحوار بين الأديان، بل يمكن أن ندخل بها أصحاب المدارس الفكريّة الأخرى. لأنّ هذا العقل الذي نؤمن بمرجعيّته هو عقل يستوي في حجيّته كلّ العقلاء سواء كانوا من أصحاب الأديان أو لا.
أنا أبارك للقائمين بهذا المشروع مشروعهم هذا، وأقترح لجامعة المعارف أن تقوم بتأسيس قسم خاصّ للحوار بين الأديان أو قسم خاصّ لدراسة الأديان، والمذاهب كلّها، لأنّ اجتماع الأديان في جامعة واحدة أو في مدرسة واحدة هو الذي يمهّد لهذا الحوار تمهيدًا عمليّا وقد قام المجمع العالميّ للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة بتأسيس جامعة المذاهب الإسلاميّة، تدرّس فيها المذاهب الإسلاميّة على يد أساتذتها وعلى يد المختصّين، بكلّ مدرسة من هذه المدارس، ويمكن أن نوسّع هذا اللون من العمل الفكريّ العمل الحضاريّ والثّقافيّ في كلّ المناطق ولأنّنا الآن بحاجة إلى هذا الحوار.
والواقع أنّ الصراع ليس صراعًا بين الأديان وإنّما الصراع الذي نشهده اليوم بين الرأسمال والإنسان، الصراع الحقيقيّ هو صراع الرأسمال وصراع الإنسان الذي تقف الأديان دفاعًا عنه، الأديان هي التي تدافع عن الإنسان، الرأسمال هو الذي هجم على هذا الإنسان بكلّ ما أوتي من قوّة، وإنّما أراد أصحاب الرأسمال أن يستخدموا الدّين من أجل ضرب الدّين في هذا الصراع. ونسأل الله تعالى لكم التوفيق جميعًا وأشكر القائمين على هذا المؤتمر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته