كلمة صاحب الرّعاية فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون
معالي الوزير الدّكتور بيار رفّول
أيّها الحفل الكريم كثير اليوم هو الكلام الذي يدمّر أكثر ممّا يبني، ويدمي بدلاً من أن يداوي ويلغي الآخر في حين أنّ الحياة تتطلّب المشاركة والقبول والاحترام المتبادل، حتّى في قلب عائلاتنا نفتقد لغة الحوار، فتنقسم العائلات وتعلو الجدران والأصوات والنزاعات فيما المطلوب قلوب مفتوحة على المحبّة والإصغاء.
نفتقد الحوار في زمننا المشحون في كافّة المجالات، في السياسة عصبيّات ومناكفات، في الدّين تكفير وإقصاء، وفي العمل حروب حيتان جشعة، وفي العلاقات الدوليّة نزال مصالح والكلّمة الأخيرة للأقوى، وفي المنزل وبين الجدران، وبين مختلفي الرأي ونمط الحياة، حتّى يبدو لنا أنّ العلّة باتت في جوهر الإنسان ولم تعد عارضًا.
لا شكّ أنّ مؤتمركم الكريم هذا سيحيط بالأسباب والظواهر، ويؤشّر إلى العلاج الناجع، وحسناً فعل المنظّمون مشكورين، بأن وضعوا عنوانًا لهم البحث عن ثقافة الحوار بين الأديان، بعدما باتت أسوأ الانتهاكات البشريّة ترتكب باسم الدّين، وأريد أن أذهب أبعد من هذا العنوان لأتحدّث عن ثقافة الحوار داخل الدّين نفسه، وهنا تبدو البداية، فالدّين لغة إيمانيّة من جهة، ومؤسّسة بشريّة من جهة ثانية، تحمل رسالة مستقاة من التعاليم التي تؤمن بها، ودور هذه المؤسّسة جوهريّ في نقل التعاليم بالطرق المناسبة، وإيجاد روابط إنسانيّة بينها واتّباع ديانتها، وبين الأتباع أنفسهم، لا بل عليها أن تحتضن المؤمنين وتعلّمهم، لغة المحبّة والحوار، وتربّيهم على الانفتاح وقبول حقّ الاختلاف في الرأي، وعليها أن تفعل هذا قبل الانتقال إلى مرحلة الحوار مع الأديان الأخرى.
من المؤسف أن نشعر اليوم باتّساع موجة الكفر بالدّين بين الجيل الجديد، في مقابل اتّساع ظاهرة أكثر خطورة وهي العصبيّة الدّينيّة العمياء، وتكفير الآخر، ومحاولة إلغائه، ويحدث ذلك داخل الدّين نفسه قبل أن يحدث بين الأديان، نعم علينا أن نبدأ بالعائلة لنعلّم أولادنا فيها ثقافة الحوار، ونواصل تلقّي هذه الثّقافة في مؤسّساتنا التربويّة وكذلك في رحاب الجامع والكنيسة، من خلال العظات والخطب، وعلينا أيضًا أن نحصّن احترام الآخر والمساواة في قوانينا، بمعزل عن انتماء الفرد الدّينيّ والثّقافيّ، والفكريّ والعرقي، وحسنًا فعلت دول عدّة حين أصدرت قانونًا يقضي بتجريم فعل ازدراء الأديان، ومكافحة كافّة أشكال التمييز، ونبذ خطاب الكراهيّة.
جوهر الدّين أيّها الإخوة هو التواصل مع الله، فكيف يمكن أن نتعلّم هذا التواصل ونعيشه، إذا افتقدنا القدرة على التواصل مع من حولنا بالحوار والكلّمة، وفي عالم فقد الإنسان فيه بوصلة السلام الداخلي، وازدادت أفعال الوحشيّة والكراهيّة، وتحطيم القِيَم والمبادئ الإنسانيّة السامية، لا بدّ من مراجعة عميقة لما وصلنا إليه، وجرأة في تحمّل المسؤوليّات، وأتمنّى أن يتخلّل مؤتمركم مثل هذه المراجعة، ويتحلّى بالجرأة اللازمة للكشف بمسؤوليّة عن مواطن الخلل.
أيّها الحضور الكريم باسم راعي هذا المؤتمر فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، الذي شرفني بتمثيله أتوجّه بالشكر إلى القيّمين على جامعة المعارف، والجمعيّة اللبنانيّة لتقدّم العلوم، لإتاحتهم الفرصة لي للتوجّه إلى نخبة من المسؤولين الدّينيّين والعلماء والأخصائيين.
وأتوجه بتحيّة تقدير عالية على المجهود المبذول لالتئام هذا المؤتمر، وجعله منّصة حوار حقيقيّ عسى أن يؤسّس لخطوات عمليّة تزرع ثقافة الحوار في نفوس أبنائنا للخروج من النفق المظلم الذي تتخبّط به منطقتنا العربيّة والعالم.
شكراً لإصغائكم ودمتم