دور المؤسّسات التعليميّة
الأب الدّكتور سليم دكّاش
أودّ بدايةً أن أوجّه الشكر إلى القيّمين على هذا المؤتمر الهامّ للجمعيّة اللبنانيّة لتقدّم العلوم بشخص رئيسها البروفسور نعيم عويني وجامعة المعارف بشخص رئيسها البروفسور علي علاء الدين.
فالدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر لا تُختصر في إلقاء بعض المحاضرات أو الإدلاء ببعض الأفكار بل إنّها دعوة لجامعات لبنان ولمؤسّساته التعليميّة الأخرى أن تضطلع بدورها في حمل قضيّة لها أهميّتها القصوى في المجال اللبناني، ألا وهي قضيّة العيش المشترك بين مختلف مواطنيه ومجموعاته. فهذا العيش المشترك قائم على ميثاق عقد مشترك بين إرادات هو ثمرة حوار بين اللبنانيّين وانطلاقًا من ذلك، فإنّ هذا الاختيار له أثره في الحوار بين الأديان على المستوى العالمي.
فلبنان معروف بتعدّديّته الدينيّة، وذلك لا يخفى عن علم الأنتروبولوجيا والثقافات، وهذه التعدّديّة من شأنها أن تكون مصدر غنى وقوّة على المستويات الاجتماعيّة والثقافيّة والروحيّة، إن تحوّلت هذه التعدّديّة إلى صلابة عيش وطنيّ مشترك. وبما أنّ هذه التعدّديّة ليست حكرًا على الواقع اللبناني بل تجاوزته لتصبح حالة شبه عالميّة، فإنّ مهمّة الجامعة اليوم، وأكثر من أيّ يوم مضى، هي في التحاور مع هذا المجتمع والتفكير في شؤونه وشجونه ومنها أحوال الدين وموقعه في النظام التعدّديّ. وكذلك من مهمّات الجامعة أن تبحث كيف يستطيع الدين أن يتكيّف مع المتغيّرات التكنولوجيّة والإيكولوجيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وكذلك كيف يستطيع أن يكون حامل قضايا العدالة والحرّيّة والسلام والتنمية والتطوّر والثقة بالذات وبالآخرين بدل أن يكون موضع تساؤل وشكّ وريبة واتّهام بأنّه يُثير البلبلة والعنف والهدم والدمار.
من هذا المنظور، إنّ التاريخ الجامعي اللبناني يبيّن أنّ الجامعة لا ولم تكن جزيرة منكفئة على ذاتها ومنغلقة عن محيطها بل إنّها كانت ولا تزال الامتداد الروحي والبشري والحضاري لمجتمعها ولتاريخها. قال أحدهم: "إنّ الأوطان صنعتها في العادة الحروب والبطولات والأحداث المختلفة المفرحة والمحزنة. أمّا لبنان، هذا الوطن الصغير بجغرافيّته، الكبير برسالته، إنّما صنعته مؤسّسات تربويّة من هنا ومن هناك" (جهاد الزين، جريدة النهار، 2016). وأقول إنّ هذه المؤسّسات أكانت مدرسيّة أم جامعيّة أم قديمة قدم هذا البلد أو حديثة، هي واعية أم أنّ عليها أن تكون واعية أنّ لها الدور الأساسي لا بحماية التعدّديّة فحسب، بل إنّ مهمّتها اليوم تكمن في استنباط الفكر الجديد المتحرّر الذي من شأنه الإسهام في تعزيز معنى التعدّديّة الدينيّة والثقافيّة، عبر تنمية ثقافة الحوار، لا أن تكون محنة أو نقمة بل بالأحرى نعمة ومصدر خير على الأوطان والمواطنين. وتستطيع الجامعة، بوجه خاصّ من خلال رسالاتها الثلاث، التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، أن تكون رياديّة في تنمية ثقافة الحوار الديني وما بين أهل الأديان على الصعيد الفكري والتعليمي والاجتماعي.
في هذا المجال اسمحوا لي بأن أعرّج قليلاً على اختبار طويل نسبيًّا – على مستوى الزمن – قامت به جامعة القدّيس يوسف في بيروت في مجال الاطّلاع بدورها في مجال تنمية ثقافة الحوار بين الأديان وذلك على مستوى التجربة الأكاديميّة الفكريّة والعلميّة لمعهد الدراسات الإسلاميّة المسيحيّة الذي يحتفل هذه السنة بمرور أربعين سنة على نشأته. فمع بداية الحرب في لبنان في العام 1975، أدرك بعض الجامعيّين (من مسيحيّين ومسلمين) وعلى رأسهم الأب اليسوعي أوغسطين دوبره لاتور من الجامعة اليسوعيّة والدّكتور هشام نشّابه من جامعة المقاصد والدّكتور يوسف إبش من الجامعة الأميركيّة والأب اندره سكريما من رومانيا وغيرهم، أهمّيّة التعارف المتبادل والتفاهم والمصالحة والحوار فقرّروا أن يخلقوا فسحة أكاديميّة تؤمّن الإصغاء المتبادل والدراسة الأكاديميّة الجادّة التي من شأنها أن يعرف كلّ واحد الآخر في ماهيّته. إنّهم نظروا حولهم فلم يروا سوى جهل الواحد للآخر والصُور المنمّطة للواحد عن جاره والأفكار المسبقة المقزّمة للناس بعضهم لبعض، فكان أن ولدت في العام 1977 دائرة الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة حيث تطوّرت مع الزمن حتّى أصبحت الدائرة، بقرار من مجلس جامعة القدّيس يوسف، معهد الدراسات الإسلاميّة المسيحيّة الذي تابع نشاطاته طوال فترة الحرب في لبنان بين 1975 و1990 حتّى أيّامنا هذه، فتعتبره الجامعة محورًا قطبًا استراتيجيًّا ومرجعيّة أساسيّة في مخطّطها التربوي وفي رؤيتها المستقبليّة. وهذا المعهد مهمّته الأولى ليست إدارة الحوار بحدّ ذاته فحسب بل تهيئة الشروط الضروريّة عبر التعليم واكتساب المفاهيم والتقنيّات والمهارات التي تجعل من هذا الحوار ممارسة ناجحة.
ولا شكّ أنّ هذا المعهد وما يمثّله من عمل أكاديمي ونشاط فكري نشأ على قاعدة صلبة هي جزء لا يتجزّأ من هويّة الجامعة بصفتها يسوعيّة ولبنانيّة، وما تتضمّنه هذه الهويّة من انفتاح على تراث أصيل من الانفتاح الثقافي والتجذّر في البيئة الشرقيّة والعربيّة. في هذا الصدد، تقول المادّة الرابعة من الجزء الثاني من شرعة الجامعة التي صيغت في السنة 1975: "تضطلع جامعة القدّيس يوسف بمهمّتها التعليميّة والبحثيّة وفق الرؤية المسيحيّة التي اعتمدتها منذ تأسيسها. فلا يقتصر الترقّي الإنساني الذي ترمي إليه على اكتساب ثقافة وإتقان تقنيّة معيّنة، بل هو مفتوح على الأسئلة الأساسيّة التي تُطْرَح على ضمير كلّ إنسان وتتناول معنى الحياة النهائي. وهذا الانفتاح الذي يقضي إلى الاعتراف بوجود الله الذي يسمو على القِيَم البشريّة كلّها ويُسبغ على الحياة كلّ معناها ويضمن حرّيّة الإنسان من كلّ جَوْر، وتجدر الإشارة إلى هذا الله بالذات هو الذي يجلّه الدستور اللبناني".
وتقول هذه الشرعة أيضًا: "تستدعي هذه الرؤية الحرّيّة الدينيّة. وهي لا يترتّب عنها إذًا أي التزام ذي طابع قانوني على أعضاء الهيئة الجامعيّة. ولا يسعها من بابٍ أولى أن ترضى بأيّ تمييز بينهم على أساس طائفيّ، إلاّ أنّها تتطلّب من كلّ من يشارك في حياة الجامعة التزامه بتعزيز روح الحرّيّة الشخصيّة والانفتاح على الحياة الروحيّة. وإنّ أعضاء العائلات الروحيّة كلّها، التي يشكّل تعدّدها إحدى خصائص المجتمع اللبناني المميّزة مدعوون للإسهام معًا في عمليّة التعزيز هذه، فيفترض ذلك معرفة وتقديرًا متبادلين".
إنّ هذا النصّ يتجاوز حدود مسار بولونيا الأكاديمي المتمثّل بالنظام الأوروبي أو الأميركي لاحتساب الأرصدة وكذلك يتجاوز النزعة الليبراليّة في التعليم الأكاديمي الذي يكتفي بتحديد ما على الطالب أن يكتسبه من كفايات ومهارات تتطابق ومتطلّبات السوق الاقتصاديّة. إنّه يتجاوز ذلك ليعطي للمكتسبات العلميّة والأدبيّة معناها وليعمل على مساعدة الطالب على عدم الانغلاق على المستوى الماديّ والنفعي بل أن يكون أداة تفاعل مجتمعي من مهمّاته بناء الذات المنفتحة على البعد الروحي الديني وكذلك على منظومة القِيَم بكلّ مستوياتها وتطوير المجتمع نحو العدل والسلام والتآخي.
من هذا النصّ الأساسي نستخرج أيضًا التوجّهات التالية: فالتوجّه الأوّل هو أنّ المؤسّسة الجامعيّة تشدّد بطريقة استدلاليّة على أنّ مهمّتها الأكاديميّة لا تقتصر على اكتساب الكفاءات والمهارات المهنيّة ولا على تملّك التقنيّات الحديثة والمتقدّمة في مختلف العلوم فقط بل إنّها مؤتمنة أيضًا على تطوير دروس ومناهج تقدّمها للطالب وتتناول قضايا الوجود الإنساني الأساسيّة من معنى الوجود البشري والأسئلة التي تُطرح على الضمير والفكر والقلب مثل التعدّديّة والتنوُّع والحبّ وقيمة الحياة والكرامة والصداقة والأسرة والعطاء.
والتوجّه الثاني يكمن في أنّ هذا النصّ التأسيسي يتحدّث عن وجوب الحرّيّة الدينيّة ضمن الحَرَم الجامعي، أي أنّ المساحة الجامعيّة ليست مجالاً للضغط على الآخرين دينيًّا أو السلوك بصورة أو بأخرى ولا تسمح بالتمييز بين الطلاّب على أساس مذهبيّ أو طائفيّ أو حتّى دينيّ إذ إنّ المساحة الجامعيّة تجعل من الأكاديميّين، أساتذةً وطلاّبًا، مواطنين جامعيّين مع أنّهم لا ينكرون دينهم ولا مذهبهم ولا يتخلّون عن ممارستهم طقوسهم وشعائرهم الدينيّة. إنّ هذه الحرّيّة هي حرّيّة مسؤولة ومرتّبة ومربيّة على تقدير الآخر كما هو وعلى احترامه كما هو وعلى إعلاء شأن كرامته، بشرط أن يحترم حرّيّة الآخرين.
أمّا التوجّه الثالث فهو الدعوة صراحة إلى اعتبار تعزيز العيش المشترك من ضمن التعدّديّة الاجتماعيّة والدينيّة وقضيّة فكريّة جامعيّة، خصوصًا على المستوى اللبناني ولأنّ هذه التعدّديّة هي خَصيصة من خصائص المجتمع اللبناني. وذلك يعني أنّ على الجامعة الإسهام عبر الدراسات والأبحاث وكذلك عبر الدروس والبرامج على أن توفي ثقافة الحوار والتثقيف على الحوار الديني حقّهما، فتعمل على تعزيز هذه الثقافة فكريًّا وعمليًّا وأن توفّر الوسائل التي تنمّي هذه الثقافة. وكلّ مرّة لا تقوم المؤسّسة التعليميّة، أكانت مدرسة أو جامعة، بدورها في هذا المجال وخصوصًا المدارس والجامعات ذات الطابع الديني والروحي، فإنّها لا تأخذ قضيّة تنمية ثقافة الحوار على محمل الجدّ، وبالتالي تضعف هذه الثقافة وتتخلّى المؤسّسة التعليميّة عن واجبها في ذلك لأنّ عمليّة التثقيف والتفكير في تطوير هذه الثقافة وتعزيزها على المستوى الأكاديمي لا بدّ أن تكون مستمرّة مع كلّ جيل جديد يأتي إلى الجامعة ومع متغيّرات اجتماعيّة وسياسيّة تؤثّر على الدين وعلى الحوار نفسه كما هو حاصل مع الإرهاب باسم الله وباسم الدين، لا لأنّه يحمل العنف جوابًا على المشاكل العالميّة بل لأنّه يغذّي الحقد والكراهية باسم الدين والتصوّرات المغلوطة عن الدين وخصوصًا الأديان الإبراهيميّة التوحيديّة التي أصبحت مكسر عصا عند بعض المفكّرين في علم الأنتروبولوجيا الدينيّة وعلم السياسة.
فمن البرامج الأكاديميّة الأساسيّة المقترحة لتعزيز ثقافة الحوار بين الأديان ما يندرج ضمن إطار الكفاية التعليميّة الجامعيّة المرتبطة بتبنّي موقفٍ يعزّز موقف الحوار وبالتالي العيش الاجتماعي المشترك حيث أنّ مهمّة هذا البرنامج هو الإسهام في أن يقبل الأفراد بعضهم بعضًا باختلافاتهم الدينيّة كمرحلة أولى حيث يقوم الطالب بالتعرّف إلى التصوّرات التي لديه تجاه الآخر وهي في غالب الأحيان تصوّرات سلبيّة فيكتشف منشأها وأسبابها والأحكام المسبقة التي لديه على الآخر. ويرمي هذا البرنامج الذي يجمع طلاّبًا من أديان ومذاهب متعدّدة إلى مساعدة كلّ طالب في أن يدرك الفرق الكامن بين تصوّراته وبين الحقيقة الحاضرة. ثمّ يقوم الأستاذ أو المشرف على البرنامج بعد هذه المحطّة الأوّليّة بعرض موسّع مع تطبيقات عمليّة لماهيّة التواصل بين الناس ومبادئ التواصل خصوصًا جوانبها الأخلاقيّة قبل أن يعرض لتقنيّات التواصل كوسيلة لمعرفة الآخر وكيفيّة العيش معه والتمرّس على هذا العيش.
المرحلة الثانية من هذا البرنامج تتناول التعريف المتبادل بالعقائد حيث يتعرّف الطالب على العقائد من فم أحد الأخصّائيّين الذي هو عضوٌ فاعلٌ في الدين الذي يتكلّم عنه والذي هو عضو فيه. وهكذا فالطلاّب المشاركون في البرنامج يتوصّلون إلى معرفة دينهم ودين الآخر من أساتذة عندهم المعرفة العلميّة والعقائديّة كما يحدّدها كلّ دين من الأديان وليس من خلال نظرة الواحد من الأديان إلى الآخر. وهذا كلّه يجري في جوّ من الحرّيّة والثقة المتبادلة حيث يدرك الطالب أنّ العيش في مجتمع تعدّدي يؤسَّس على معرفة متبادلة لعقيدة الآخر من دون تصوّر هذه العقيدة على ذوقه وحتّى من دون شيطنة هذه العقيدة وتزييفها.
المرحلة الثالثة من هذا البرنامج تتناول عرض واكتساب تقنيّات حلّ النزاعات ذات الطابع الدينيّ حيث أنّ الطالب يتدرّب بشكل عمليّ على هذه التقنيّات ويتمرّس بها ليصبح عنصرًا فاعلاً لا لنفسه فقط بل على مستوى المجتمع ككلّ فيقدر على التدخّل من أجل فضّ بعض النزاعات وخصوصًا البسيطة منها التي تتطوّر أحيانًا لتصبح بؤرة نزاع اجتماعيّ متحوّلاً أحيانًا إلى نزاع سياسيّ. وما نستطيع الإشارة إليه هو أنّ بعض المشاكل التي تُطرح وهي في ظاهرها بسيطة تتحوّل سريعًا من مشكلة ذات طابع ديني إلى مشكلة سياسيّة طائفيّة، كحديث البعض عن الشعائر والعبادات بصورة سلبيّة، ممّا يثير الفريق الآخر للحديث بشكل سلبي عن ذلك الدين وعن شخصيّات دينيّة ممّا يتراكم ويتضخّم إن لم يُعالج سريعًا ويتحوّل إلى مشكلة طائفيّة سياسيّة تُدار من الخارج بدل أن تؤخذ كقضيّة تربويّة وتعالج على هذا المستوى وحسب.
لكن مسؤوليّة المؤسّسة الجامعيّة، بوجه خاصّ، لا تتوقّف عند التوعية وعند تغيير السلوكيّات لدى الأساتذة والطلاّب فيما يخصّ الأديان والحوار بينها عبر برنامج أكاديميّ معيّن. إنّ هذه المسؤوليّة تتجاوز ذلك إلى تنشئة كوادر فاعلة ورياديّة في مختلف المجالات، وخصوصًا بما يخصّ العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة، وذلك بهدف تعزيز إدارة الديموقراطيّة للتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في لبنان وفي المجتمعات المماثلة. إنّ هذه التنشئة إنّما هي نوع من التخصّص العلميّ وهي تتحقّق عبر دراسات الماستر التي تستخدم منهجيّات المقارنة ومقاربة الواقع بانفتاح وروح نقديّة وكذلك المنهجيّات التطبيقيّة في سبيل ترجمة المعرفة النظريّة ثقافة وقدرات وسلوكًا. وتجربتنا في هذا المضمار أنّه تمّ إعداد وتخرّج أكثر من مئة من الكوادر، مسيحيّين ومسلمين، حصلوا على الكفايات العليا والعمليّة من بناء المعرفة الموضوعيّة والتدرّب على قراءة النصوص الدينيّة المختلفة وتحليل الواقع الدينيّ على ضوء العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة وما تقترحه الأديان نفسها من أدوات تحليل وبناء العلاقات في المجتمع التعدّديّ وتفعيل الديموقراطيّة وإنتاج البحوث العلميّة والتحليليّة استنادًا إلى المعارف والدراسات الميدانيّة. ومن مسؤوليّة الجامعة في لبنان، أن تدرّب طلاّبًا عبر برامج أكاديميّة وأنّ تخصّصهم في مجال معرفة علاقة الدين بالإعلام وخصوصًا الشبكات الاجتماعيّة منها وكيف يتعامل الدين مع الوسائل الإعلاميّة وكيف يُعرِّف عن نفسه وعن رسالته في هذه الوسائل.
وأختم بالقول بأنّ المؤسّسة التعليميّة والجامعيّة منها على وجه الخصوص يتوجّب عليها أن تربّي طلاّبها على الحوار المستدام لأنّ من مهمّاتها تنشئة لا الفرد المتعلّم والمهني الكفوء فحسب، بل التنشئة على المواطنيّة في مجتمع تعدّدي مثل لبنان المتمسّك بالسلام المدني وبالدولة المدنيّة عبر توطيد أواصر العيش المشترك الثقافي والديني بين الأفراد والمجتمعات. فلا بدّ أن تكون رسالة المؤسّسة التعليميّة، أكانت مدرسة أو جامعة، ومهما كان لونها، العمل على تشكيل مجتمع عادل ومرن وملتزم يستطيع مواجهة التحدّيات التي تهبّ من كلّ حدبٍ وصوب، ومنها الإرهاب والأصوليّة والأنانيّة والفساد والعولمة الليبيراليّة التي لا تكترث للقِيَم الإنسانيّة والروحيّة. إنّها مهمّة المؤسّسة التعليميّة في بناء جسور التواصل مع الذات ومع الآخرين وهي جسور تجعل المستقبل أكثر أمنًا ومساواة ومشاركة في بناء المصير المشترك.