صورة الآخر في المنظور الدينيّ
الشّيخ الدّكتور أكرم بركات
مشهد الدين بين التوحيد والتشتيت
تجتمع الأديان التوحيديّة في اعتقاد واضح بأنّ جميع الناس، والكون معهم، خلقُ الله، وأنّهم جميعًا واقعون تحت إرادّته وتدبيره وربوبيتّه، وبدل أن يكون ذلك مدعاة لاتّحاد إنسانيّ، كانت المفارقة في مشهد "التجويم"[1] من قبل اليهود، والهرطقة من قبل المسيحيّين، والتكفير من قبل المسلمين، حتّى أضحى شعار الدين التوحيدي في نظر الكثيرين مقسِّمًا، لا موحِّدًا، لواء حربٍ، لا عنوان سلام. وأضحى الدين في نظر أولئك معوِّقًا من التقارب مع الآخر، بدل أن يكون مقرِّبًا منه تحت خيمة الربّ الواحد.
هل مشهد هذه الأديان يعبِّر عن واقع النظرة الدينيّة الحقّة، أو أنّ هناك التباسًا في فهم الدين من قبل المنتسبين إليه، أو استغلالاً له من قبل النفعيّين من هذا الانتساب؟
المبنى المعتمد في الجواب عن الإشكاليّة
قبل الولوج في الإجابة عن الإشكاليّة السابقة، لا بدّ من تحديد المبنى الذي تعتمد عليه هذه الإجابة، وهو مبنى إسلاميّ يتألّف من الأركان الآتية، التي يشكِّل الوجدان الإنسانيّ قاعدة الانطلاق ومرجعيّة التقويم لها، وهي:
- الفطرة الإنسانيّة الصافية التي خلقها الله تعالى في جبلّة كلّ إنسان، في كلّ زمان ومكان، دون حاجة إلى تعليم وتدريب؛ إذ لا يمكن أن يوجِّه الله الناس بما يتناقض مع هذه الفطرة الكائنة بالتكوين، المرشدة إلى الكمال، لأنّ ذلك خلاف حكمة الحكيم.
- العقل القطعيّ بشقّيه النظري الذي يُدرك ما ينبغي أن يُعلَم ويُدرَك، كإدراكه استحالة اجتماع النقيضين، والعملي الذي يُدرك ما ينبغي أن يُعمَل ويُفعَل كإدراكه، أنّ العدل حسن، وأنّ الظلم قبيح.
- النصّ الإسلاميّ الثابت من قرآنٍ كريم، وحديثِ معصومٍ معتبر، على أساس قراءة النصوص الدينيّة بما هي عناصر متناسقة في منظومة معرفيّة تُنتج قراءةً موضوعيّة منسجمةً مع الفطرة الصافية، والعقل القطعي، وبقيّة النصوص الثابتة.
- السيرة الموثوقة لرسول الإسلام محمّد(ص)، والتي يؤثّر في موثوقيّتها الانسجامُ مع الفطرة الصافية والعقل القطعي والمنظومة النصوصيّة المعتبرة بحيث تشكّل هذه السيرة مع الفطرة والعقلِ وتلك النصوصِ المنظومةَ العامّة لفهم الدين.
وممّا يغني الإجابة الاستعانة بسيرة المعصومين من أهل بيت الرسول (ص)، بحسب مذهب الشيعة الإماميّة، والتي تمثّل امتدادًا لسيرة الرسول محمّد (ص)، لا سيّما مع تنوّع الظروف والأدوار التي مرّوا بها في حياتهم.
انطلاقًا من هذا المبنى بأركانه الأربعة نحاول الإجابة عن الإشكاليّة المطروحة التي تُحدّد صورة الآخر من المنظور الدينيّ الإسلاميّ.
الله وهدف الخلق في المنظور الدينيّ
إنّ نظرة المتديِّن إلى الآخر تتأثّر في منطلقاتها الأساسيّة من نظرته إلى الله، فتحديد وتقييد الكمالات الإلهيّة في وجهة نظر المنتمين إلى أحد الأديان التوحيديّة أثَّر في النظرة إلى غير المنتسبين إلى ذلك الدين، فأطلقوا عليهم مصطلح "جوييم".
وفي المقابل فإنّ تركيز علماء دين، في تبشيرهم، على الله المحبّة كان له أثر في نظرة المنتمين المتأثّرين بذلك، وكذا سلوكهم تجاه الآخر.
وبما أنّ هذا البحث ينطلق من المبنى الإسلاميّ، فلا بدّ من فهم الله ومشروعه في خلقه على أساس هذا المبنى. وعليه نقول: إنّ العقل القطعي يدلّ على أنّ الله تعالى خالقٌ، ربٌّ، غنيٌّ، حكيم، فغنى الله يقتضي ألا يكون له حاجة أو مصلحة خاصّة من الإنسان، ومقتضى حكمته أن تكون له غاية وهدف كماليّ، لا تسافليّ.
ويبقى التساؤل حول أنّ المطلوب في المشروع الإلهيّ: هل يقتصر على التكامل الفرديّ، أو يشمل التكامل الاجتماعيّ؟ والجواب نستقيه من النصّ القرآنيّ الذي دلّ على أنّ التكامل الإنسانيّ لا ينحصر بالتكامل الفرديّ، بل المشروع الإلهيّ يتعلّق بالتكامل الاجتماعيّ، وهذا ما تفيده الآيات الحاكية عن الحوار بين الله عزّ وجلّ وملائكته حينما أخبرهم عن مشروعه في خلق الإنسان ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[2]، فإذا بالملائكة يسألون، بصورة اعتراض، ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾[3]، ومن الواضح أنّ سؤالهم لم ينطلق من استشراف التسافل الفردي، فلم يقولوا: أتجعل فيها من لا يسبّح بحمدك، ولا يقدّس لك، كما تقتضيه المقابلة مع عبادّتهم، بل سألوا من منطلق استشرافهم التسافل الاجتماعيّ الذي يتحقّق بالإفساد في الأرض، وسفك الدماء. وتتمّة هذه الآيات، لا سيّما في قوله تعالى ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[4]. وفي تعليم الله تعالى آدم الأسماء لينبّئهم بها، توضيحٌ أنّ غاية خلق مشروع الإنسان هو التكامل الاجتماعيّ الذي يكون لتلك الأسماء الدور الأساس في تحقيقه. والنتيجة، بحسب الآيات السابقة، أنّ علّة خلق الله عزّ وجلّ للإنسان لا تنحصر بالتكامل الإنسانيّ الفردي، بل تشمل التكامل الاجتماعيّ.
خصوصيّة الإنسان في تكامله
إنّ ميزة التكامل الإنسانيّ المطلوب إلهيًّا أنّه ينطلق بخلاف الجمادات، من الاختيار والحرّيّة الّلتين يتمتّع بهما الإنسان، وحرّيّة الإنسان واختياره حقيقة يعرفها كلٌّ منّا بوجدانه الذي لا يصحّ أن يقاومه نصٌّ أو ما صيغ على أنّه برهان، وقد ذكرنا أنّ الوجدان هو القاعدة الأساسيّة في تمييز الحقيقة من غيرها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ للإنسان الحرّ ميزةً إضافيّة تشكِّل الركيزة لمشروع التكامل الإنسانيّ الذي يريده خالقه وربُّه، وهي القابليّة الواسعة للتطوّر العلميّ، ولتحقيق العدالة قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾[5].
إنّ وصف الإنسان بالظلوم، والجهول، وإن كان في ظاهره ذمًّا، إلاّ أنّه يفيد تميّزًا في الإنسان على حمل العلم أساسِ التطوّر وتحقيق العدالة أساسِ السعادة الاجتماعيّة، فالجبال والأرض والسماء لا تُوصَف بأنّها ظالمة أو جاهلة؛ لأنّها ليس من شأنها ولا تتحمّل أن تكون عادلة وعالمة، بخلاف الإنسان الذي له قابليّة تحمّل العلم وتحقيق العدالة اللذين بهما يتحقّق مشروع التكامل الإنسانيّ الفرديّ والاجتماعيّ من منطلق اختيار الإنسان.
وما تقدّم ينسجم مع ما ذكره القرآن الكريم من تسخير الكون للإنسان باعتباره المحور في النظرة الإلهيّة، قال عزّ وجلّ:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾[6].
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلوَانُهُ﴾[7].
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾[8].
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِليّة تَلبَسُونَهَا﴾[9].
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾[10].
﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾[11].
الشروط الضامنة لتحقّق التكامل الاجتماعيّ
ممّا تقدّم يتّضح المشروع الإلهيّ المطلوب تحقّقه من الخلق وهو تكامل المجتمع الإنسانيّ الاختياريّ الذي يحتاج؛ لقصور أدوات المعرفة البشريّة، إلى تدخّل إلهيّ، ووصلة ربّانيّة بين الله والإنسان، ليبيِّن الله له خريطة الوصول إلى ذلك التكامل من خلال ما يسمّى "رسالة الله" التي يحملها ويدعو إليها مَنْ تواصَلَ اللهُ معه، وبلَّغه إيّاها وهو المسمَّى بـ "الرسول"، كما يحتاج تحقيق ذلك الكمال، بمنطلق العقل والعقلاء إلى هادٍ يحدِّد الأولويّات ويقود قافلة المجتمع، لتحقيق التكامل المطلوب.
وبما أنَّ تحقّق الغاية التي استدعت إرسال الرسالة، وقيادة الهادي، منوطٌ باختيار المجتمع وحريّته، فلا بدّ أن تكون الرسالة جاذبة في عناصرها ليتقبّلها المجتمع، وأن يتمتّع الرسول الهادي بمواصفات حميدةٍ لينجذب إليه الناس، ويصدِّقونه ويتقبّلون هدايته، ويسيرون بمشروعه.
وقد اختزن القرآن الكريم هذا المبدأ العقلائيّ في حديثه عن رسالة الإسلام ورسوله الخاتمين للرسالات والرسل. قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾[12].
وهذا الظهور يحصل، بحسب هذه الآية من خلال عنصرين:
- الهداية إلى التكامل الاجتماعيّ من خلال قيادة المجتمع المنطلقة من أوسع بصيرة، وأكمل مواصفات.
- دين الحقّ المشتمل على الرؤية الكونيّة المعرّفة بالحقيقة، والتشريع الإلهيّ الناظم لحركة الفرد والمجتمع.
إذًا، علّة إرسال خاتم الرسل هو ظهور الدّين، وآليّة تحقيق هذا الظهور تتمّ من خلال عنصري بيان الأطروحة الحقّة، وحسن تطبيقها الذي يهدي المجتمع إلى كماله وسعادته.
جاذبيّة الإسلام ورسوله
فصّل القرآن الكريم ما اختزنته الآية السابقة في جاذبيّة الرسالة والرسول والهادي في آيات عديدة، منها:
﴿وَمَا أَرْسَلنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلعالميّنَ﴾[13].
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[14].
﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ...﴾ [15].
﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[16].
إنّ خطاب ﴿جَاءكُمْ﴾ موجَّه للنّاس بما فيهم الكافرون؛ بقرينة قوله ﴿بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ في آخر الآية.
ومعنى (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) أيّ شديد عليه عنَتُكم أيّها الناس. أيّ عزيز عليه ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان[17]، أيّ شديد شاقّ عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه؛ لأنّه يخاف عليكم سوء العاقبة، والوقوع في العذاب، أيّ "يعزّ عليه أن تعنتوا، وتعاندوا، فتُحرموا الثواب، وتستحقّوا العقاب، فهو حرص على إيمانكم، رأفة بكم، وإشفاقًا عليكم"[18].
ومن الآيات الدالّة على حرص رسول الله (ص) على سعادة الناس وهدايتهم وتحقيق كمالهم:
﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[19].
﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾[20].
ويؤكِّد رسول الإسلام المضامين القرآنيّة بأحاديثه الكثيرة التي منها: "إنّما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق"[21]، وكذا بسيرته الشريفة التي ورد فيها أنّ ردّة فعله على أولئك المشركين الذين آذوه إيذاءً شديدًا، وأرسلوا إليه صبيانهم يرشقونه بالحجارة، هي أنّه التجأ إلى الله عزّ وجلّ قائلاً: "اللّهم اغفر لقومي؛ فإنّهم لا يعلمون"[22].
فالإسلام دين رحمة، ودعوة حياة، وإتمامٌ لمكارم الأخلاق، ورسول الإسلام محمّد (ص) على خُلُقٍ عظيمٍ يحرص على الناس، ويعزّ عليه عنتهم، ولو كانوا كافرين.
الأصل الحاكم في قراءة النصّ الدينيّ
إنّ ما تقدّم يؤسّس لأصل ومرجعيّته حاكمة في فهم وتقويم وقبول ورفض أيّ طرح ينسب إلى الدين فإضافة إلى موافقته للفطرة الصافية والعقل القطعيّ لا بدّ أن يتوافق مع جاذبيّة الرسالة والرسول الهادي التي هي نظام المنظومة الدينيّة.
الآخر في المنظور الدينيّ الإسلاميّ
بناءً على ما تقدّم من المباني الحاكمة على أيّ طرح أو نصّ يُنسب إلى الدين، فإنّ النظرة الدينيّة الصحيحة إلى الآخر تجيب على الإشكاليّة المطروحة من خلال عين المنظومة المعرفيّة المتقدِّمة من خلال عناوين ثلاثة: أوّلها موجِّه، وثانيهما لافظ، وثالثهما مبيِّن.
الطرح الموجَّه من المنظومة
قد يبدو من بعض النصوص الدينيّة ما يناقض أركان المنظومة المتقدِّمة، وبالتالي لا يمكن قبول ما يُفهم منه بدوًا، فلا بدّ من توجيهه بما يتواءم معها، وينسجم مع معارفها ومقاصدها وأهدافها، وهذا التوجيه لا يعني تصحيح خطأ، بل قد يكون الفهم قائمًا دون التفات إلى كون المتكلِّم الحكيم قد يعتمد في نصّه، لحكمةٍ بليغةٍ، على قرائن لا بدّ من الالتفات إليها لفهم مراده الحقيقيّ، أو قد يكون ذلك بسبب التحوّلات اللغويّة التي لا يلتفت إليها القارئ، أو نحو ذلك من الأسباب التي يَنسجم من الحكمة والهدف. ونعرض لذلك مثالين، الأوّل يتعلّق بالله والثاني بالآخَر، ففي وصف الله تعالى ورد في القرآن الكريم آيات ظاهرها التجسيم، من قبيل قوله تعالى: ﴿بَل يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾[23] وقوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾[24] وقوله تعالى ﴿...إِلاّ وَجْهَهُ﴾[25]، ومن الواضح أنّ تجسيم الله تعالى يتعارض مع الدليل العقليّ القطعيّ على أنّ الله تعالى غنيّ لا يحتاج إلى شيء، لذا هو غير مركّب؛ لأنّ المركّب يحتاج إلى أجزائه، وبالتالي لا جسم له؛ لأنّ الجسم مركّب. وعليه لا بدّ من توجيه تلك الآيات بما يتلاقى مع العقل القطعيّ فاليدان المبسوطتان قد يراد منهما يد النعمة ويد القدرة، أو يد الثواب ويد العقاب، والتعبير عن كشف الساق مستعمل في كلمات العرب للدلالة على شدّة الأزمة، فالعرب يقولون كشفت الحرب عن ساقها أيّ اشتدّت[26]، والوجه يعبَّر به العرب عن الذات كما يقولون "أيّ وجه عربيّ ينقذني من الهون"[27]، فقد يراد بالآية العمل المقصود به وجه الله عزّ وجلّ، وبالتالي لا بدّ من توجيه هذه النصوص بما يتواءم مع تلك المنظومة.
والمثال الثاني الذي لا بدّ من توجيهه بما ينسجم مع المنظومة الدينيّة آية الجزية التي يقول الله فيها ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الجِزْيّة عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[28].
إنّ تفسير الآية في ضوء تلك المنظومة يقوّي إصرار بعض المفسّرين انطلاقًا من كون السورة نزلت في السنة التاسعة للهجرة، ومن كونها ناظرة إلى غزوة تبوك في مقابل الروم - على أنَّ حكمها خاصّ لسبب خاصّ، وهو، بتعبير محمّد جواد مغنيّة، "إنَّ المجتمع الإسلاميّ كان في بدء تكوينه، وإنَّ المشركين كانوا طابورًا خامسًا يكيدون للإسلام وأهله... والأمر هنا بقتال أهل الكتاب أمرٌ خاصّ بالذين كانوا في الجزيرة، لسبب خاصّ، وهو أنَّ أهل الكتاب كانوا يتحالفون مع المشركين على محاربة المسلمين، كما فعل يهود المدينة وما حولها بعد تأمين النبيّ (ص) لهم، وجعلهم حلفاء له.. .. وقد بلغ النبيّ (ص) أنَّ الروم، وهم في الشام على أطراف الجزيرة، يجمعون الجيوش للانقضاض على الإسلام وأهله، وكانت كلّ القرائن والدلائل تؤكِّد أنَّ أهل الكتاب في الجزيرة كانوا عينًا وعونًا للروم النصارى على المسلمين، وأنّهم يتآمرون معهم على النبيّ (ص) ومن اتّبعه من المؤمنين[29].
والآية السابقة تطرح طريقة تعامل مع أهل الكتاب الذين اعتدوا، تضمن لهم أن يعيشوا في المجتمع الإسلاميّ محافظين على معتقداتهم وهويّتهم الدينيّة الخاصّة، وهذه الطريقة تتمثّل بأمرين:
الأوّل: أن يقدِّموا عطيّة ماليّة تشبه الضرائب هذه الأيّام، تُصرف على حفظهم، وحسن إدارتهم؛ لكونهم في ذمَّة الإسلام والمسلمين، وهو ما يطلق عليه بالجزية التي سُمِّيت بذلك للاجتزاء بها في تحقيق ما تقدَّم[30].
الثاني: أن لا يستكبروا ولا يستعلوا في المجتمع الإسلاميّ، بل يخضعوا للقوانين العامّة فيه، حالهم حال سائر المسلمين، فلا يخالفونها في التجاهر بشرب الخمر ونحوه ممَّا حرَّمه الإسلام، وهذا هو تفسير قوله تعالى: ﴿عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[31]، أيّ عن يدٍ مؤاتية غير ممتنعة؛ لأنّ من أبى وامتنع لم يعطِ يده، بخلاف من يقبل طوعًا[32]، فالمراد بصغارهم، بحسب تعبير الطباطبائيّ "خضوعهم للسنّة الإسلاميّة والحكومة الدينيّة العادلة في المجتمع الإسلاميّ... فظاهر الآية أنّ هذا هو المراد من صغارهم، لا إهانتهم والسخرية بهم من جانب المسلمين أو أولياء الحكومة الدينيّة؛ فإنَّ هذا ما لا تحتمله السكينة والعرفان الإسلاميّ[33].
-
الطرح المرفوض من المنظومة
نلاحظ أنّ بعض النصوص الإسلاميّة غير الآيات القرآنيّة تناقض مباني المنظومة الدينيّة مع عدم الإمكانيّة المقبولة لتأويلها، فالموقف منها لا يكون بناءً على الدراسة السنديّة المتعارفة لإثبات صحّة ورود النصّ. من قبيل دراسة مدى وثاقة الرواة، أو اعتبار الكتاب الذي وردت فيه، بل الموقف هو الرفض المباشر باعتبار أنّ المنظومة المعرفيّة تلفظ مثل هذه النصوص مهما بلغت درجة الوثاقة في الرواة، أو الاعتبار للمصدر الذي ذكرها، ولتوضيح هذا الطرح نذكر مثالين أيضًا، ثانيهما يتعلّق بالآخر، المثال الأوّل: رواية تتحدّث عن ملك من ملائكة الله عصى الله تعالى، فعاقبة الله عزّ وجلّ بكسر جناحه وإلقائه في جزيرة بحريّة إلى أنْ منّ الله عليه بالعفو ببركة الحسين (ع) سبط رسول الله (ص)[34]، فهذه الرواية تتعارض مع قوله تعالى الواصف لملائكته ﴿لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾[35].
لذا فإنّ الموقف منها لا يخلو من أحد أمرين، إمّا أن نوجِّه ما يبدو من التهافت بينها وبين الآية، بأن يُقال: إنّ الآية الحاكية عن عدم عصيان الملائكة تتحدّث عن صنف من الملائكة، لا عن كلّ أصنافهم، وعليه فإنّ فطرس يكون من صنف آخر تقع منه المعصية، وإن لم يُقبَل هذا التوجيه، فالموقف هو رفض الرواية لمخالفتها للقرآن الكريم.
المثال الثاني المتعلّق بالآخر: ما أورده أحمد بن حنبل في مسنده أنّ رسول الله (ص) قال: "...أمّا وَالّذِي نَفسُ محمّد بيده لقد جِئتُكُم بِالذَّبح"[36]. فإنّ هذ الحديث لا ينسجم مع مواصفات الرسالة السمحاء، والرسول الحريص على الناس حتّى لو كانوا كافرين، العزيز عليه ما عنتوا، الداعي للكفّار المناوئين له أن يغفر الله لهم، فضلاً عن كون البيان المنسوب للنبيّ (ص) يُعاكس جاذبيّة الدعوة إلى الدّين، ويُنفِّر الناس منه، كما لاحظنا بشكلٍ واضح من ردّة فعل الناس على من استخدم هذا الحديث من تكفيريّي عصرنا، وتذرّع به لذبح الآخرين، لذا فإن لم يوجَّه هذا الحديث بما يتواءم مع المنظومة الدينيّة، فإنَّ هذه المنظومة تلفظه غير آبهةٍ بمواصفات رواته، وإن كانوا ثقاة، واعتبار مصدره حتّى لو كان يقع في دائرة الاحترام والتقدير.
-
الآخر بعين المنظومة الدينيّة
لا يخفى أنّ الاعتقاد بنظرة الله السلبيّة اتّجاه الآخر، وبمصيره المشؤوم عند ربِّه يؤثِّر في نظرة المؤمن إلى الآخر والتعامل معه، لذا فإنّنا سنتبنّى المنظور الدينيّ الإسلاميّ، انطلاقًا من المنظومة الدينيّة، عبر مقامين، الأوّل نبحث فيه مصير الآخر في آخرته، والثاني نبحث فيه عن التعامل مع الآخر في هذه الدنيا.
-
مصير الآخر في الآخرة
نتناول دراسة مصير الآخر في الآخرة من منطلقين: العقيدة والعمل.
- مصير الآخر باعتبار عقيدته:
قبل قراءة النصوص الحاكية عن مصير غير المسلم أو المؤمن، نبيّن القاعدة التي لا بدّ أن ينطلق منها فهم تلك النصوص، وهي حكم العقل القطعيّ بقبح الظلم، وبالتالي باستحالة أن يقوم الله تعالى بفعلٍ تُدرك عقولنا أنّه ظلم، وعليه فإنّ هذه القاعدة تمنع من الحكم على مصير الآخر الذي لا يعتقد بالحقّ بلحاظ النتيجة الاعتقاديّة التي يحملها؛ وذلك لأنّ غير المعتقد بالحقّ على أربع حالات، نبيّنها، ونوضِّح حكم كلّ واحدة منها، وهي:
- أن يكون عالمًا بالحقّ، عارفًا به، ومع ذلك ينكره ويجحده لسبب ما كالحسد والاستكبار ونحوهما، وقد ورد في هذا النوع من حالات الكافر قوله تعالى: ﴿وَأَدْخِل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أنفسهم﴾[37]، فهذه الآية واضحة في جحود فرعون وأتباعه، مع يقينهم بأنّ ما رأَوْه هو من آيات الله عزّ وجلّ.
- أن يكون غير مطَّلع أصلاً على العقيدة الحقّة، أو مطَّلعًا، لكنّه لم يبحث عنها، مع توفّر الداعي إلى ذلك، فيكون في هذه الحالة مقصِّرًا، لأنّ دواعي وظروف البحث والوصول إلى النتيجة توفَّرت له، ومع ذلك، لم يكلِّف نفسه مؤونة البحث ليصل إلى نتيجة موضوعيّة.
- أن يكون غير مطَّلع أصلاً، أو مطَّلعًا، لكنَّه لم يبحث بسبب وجود يقينٍ تامٍّ بخلاف العقيدة الحقَّة، ويصطلح عليه بالقاطع.
- أن يكون غير مطَّلع أصلاً، أو مطَّلعًا، لكنَّه لم يبحث بسبب قصور معرفيّ، ينتفي معه أيّ داعٍ للبحث عن الحقيقة. وهو ما يصطلح عليه بالقاصر. ويعمِّم البعض مصطلح القاصر ليشمل هذه الحالة مع الحالة الثالثة السابقة.
- وعليه، فحالات غير المعتقد بالحقّ تدور بين جحودٍ وتقصيرٍ وقطعٍ وقصورٍ.
أمّا حالتا الجحود والتقصير، فلا يمنع العقل من أن تشملهما آيات استحقاق العذاب، للجاحد بسبب جحوده، وللمقصِّر بسبب تقصيره. ولكن َّاستحقاق العقاب لا يعني فعليّة العقاب؛ إذ العقل يحكم بأنّ الله تعالى إذا وعد بثوابٍ يجب منه أن يفي بوعده، أمّا إذا توعَّد بعقاب، فيمكن أن يسقطه من باب رحمته وفضله وإحسانه.
قال نصير الدين الطوسيّ من علماء الشيعة الإماميّة: "...ودوام العقاب مختصّ بالكافر، والعفو واقع؛ لأنّه حقّه تعالى، فجاز إسقاطه، ولا ضرر عليه في تركه، مع ضرر النازل به، فَحَسُنَ إسقاطه؛ ولأنّه إحسان، وللسمع"[38]، والمراد من قوله: "وللسمع" أنّه بالإضافة إلى الدليل العقليّ على إمكانيّة سقوط العقاب عن الكافر، يوجد نصوص دينيّة دلَّت على ذلك أيضًا.
أمّا الحالة الثالثة وهي حالة وجود يقينٍ تامٍّ بما يعتقده الكافر حقًا، ممَّا يفقده الدافع للبحث عن اعتقاد آخر، فهي كسائر حالات اليقين عند الإنسان التي لا يمكن أن يصحَّح فيها عقاب الإنسان على تبعات عدم إيمانه بعقيدة يتيقَّن بخلافها، فالخطاب بتلك العقيدة لا يمكن أن يتوجَّه إليه، فكيف يُحاسَب عليه؟! إنَّ العقل القطعيّ الدالّ على الحكمة الإلهيّة لا يجيز عقاب ذلك المتيقِّن وحسابه على أمرٍ يقطع بخلافه.
ولا بدَّ من التذكير أنَّ هذه المسألة ترجع إلى النزاع في التحسين والتقبيح بأنّهما عقليّان، كما يؤمن بذلك الشيعة الإماميّة، أو شرعيَّان، كما يؤمن بذلك الأشاعرة[39]، فما ذكرناه منطلق، من الإيمان بأنَّ العقل الإنسانيّ يمكن أنْ يدرك بنفسه حسن الأشياء وقبحها، وبالتالي يمكن أن يدرك حسن العدل والحكمة الإلهيّين، وقبح الظلم بمعاقبة إنسان على عقيدة يقطع بعدمها.
أمّا الحالة الرابعة، وهي حالة القصور المعرفيّ، فهي مشابهة للحالة الثالثة من ناحية حكم العقل القطعيّ بقبح العقاب من الله تعالى، باعتباره نوعًا من الظلم، فمن كان قاصرًا عن إدراك الحقيقة، غير مقصِّر في السعي للوصول إليها، ولم يعتقد بها بسبب هذا القصور، فكيف يمكن للعادل أن يعاقبه؟! أليس عقابه يشبه عقاب المجنون أو الطفل الصغير على ما يرتكبه من دون وعيه لذلك؟!
إنَّ ما تقدَّم من منطق العقل نقرؤه في نصِّ القرآن الكريم الذي تحدّث عن عفو الله تعالى عن القاصرين الذين أطلق عليهم وصف المستضعفين قائلاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهم المَلآئِكَةُ ظَالِمِي أنفسهم قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهم جهنّم وَسَاءتْ مَصِيرًا، إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالوِلدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً، فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾[40].
علّق محمّد حسين الطباطبائي على هذه الآية بقوله: "يتبيّن بالآية إنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذرًا عند الله سبحانه"[41].
وقد رفض أهل البيت(ع)، انطلاقًا من وعيهم للقرآن الكريم والسُّنَّة النبويّة الشريفة، المنطق المضيِّق لرحمة الله تعالى، كما يظهر جليًّا في الرواية التي أوردها صاحب الكافي عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران (أو بكير) على أبي جعفر(ع) قلت له: إنّما نمدُّ المطمار، قال(ع): وما المطمار؟ قلت: التُّر[42]، فمن وافقنا من علويٍّ أو غيره تولّينا، ومن خالفنا من علويٍّ أو غيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة، قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالوِلدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾؟! أين المرجون لأمر الله؟! أين الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا؟ أين أصحاب الأعراف؟ أين المولَّفة قلوبهم[43]؟.
تصريح العلماء بعدم عذاب القاصر والقاطع
ولأنّ هذا المطلب قد يكون محلّ تعجّبٍ لدى البعض، نذكر أقوال جملة من علماء الشيعة الإماميّة الكبار تدور حوله:
قال محمّد تقيّ القمّيّ: "ثبوت العذاب الدائم على الجاهل مخصَّص بما حقّقوه في محلّه من عدم تكليف الغافل، وعدم تكليف ما لا يُطاق، ونحو ذلك...وأمّا العذاب الدائم فلا دليل عليه، بل ومطلق العذاب أيضًا"[44]. أيّ لا دليل على ثبوت العذاب للغافل المقصِّر، وغير القادر على تحمّل التكليف.
وقال نصير الدين الطوسيّ: "المبالغ في الاجتهاد إمّا أن يصير واصلاً أو يبقى ناظرًا، وكلاهما ناجيان"[45]. إنَّه تبنٍّ واضحٍ لنجاة الباحث عن الحقيقة سواء وصل إليها، أو ما زال في بحثه ناظرًا دون الوصول إليها.
وقال روح الله الخمينيّ: "إنّ أكثرهم [ أيّ الكافرين] إلاّ ما قلّ وندر جهّال قاصرون لا مقصِّرون، أمّا عوامهم فظاهر، لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم، وبطلان ساير المذاهب، نظير عوام المسلمين، فكما أنّ عوامنا عالمون بصحّة مذهبهم، وبطلان ساير المذاهب من غير انقداح خلاف في أذهانهم؛ لأجل التلقيّن والنشوء في محيط الإسلام، كذلك عوامهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة. والقاطع معذور في متابعة قطعه، ولا يكون عاصيًّا وآثمًا، ولا تصحّ عقوبته في متابعته. وأمّا غير عوامهم، فالغالب فيهم أنّه، بواسطة التلقيّنات من أوّل الطفوليّة والنشوء في محيط الكفر، صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة بحيث كلّ ما ورد على خلافه ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشوئهم، فالعالم اليهوديّ والنصرانيّ كالعالم المسلم لا يرى حجّةَ الغيرِ صحيحةً، وصار بطلانُها كالضروريّ له؛ لكون صحّة مذهبه ضروريّة لديه لا يحتمل خلافه.
نعم، فيهم من يكون مقصِّرًا لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عنادًا أو تعصّبا كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك، وبالجملة إنَّ الكفار، كجهَّال المسلمين، منهم قاصر، وهم الغالب، ومنهم مقصِّر، والتكاليف أصولاً وفروعًا مشتركة بين جميع المكلّفين، عالمهم وجاهلهم، قاصرهم ومقصِّرهم، والكفّار معاقبون على الأصول والفروع لكنّ مع قيام الحجّة عليهم لا مطلقًا، فكما أنّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنّهم معاقبون عليها، سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدليّة"[46].
وقال محمّد كاظم الخرسانيّ: "لا يجوز الاكتفاء بالظنّ فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعًا، حيث إنّه ليس بمعرفة قطعًا، فلا بدَّ من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذورًا إنْ كان عن قصور؛ لغفلته، أو لغموضة المطلب مع قلّة الاستعداد، كما هو الشاهد في كثير من النساء، بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد، ولو لأجل حبّ طريقة الآباء والأجداد واتّباع سيرة السلف"[47].
وقال أبو القاسم الخوئيّ، بحسب تقرير بحثه للبهسوديّ، في حديثه حول استحقاق القاصر للعقاب وعدمه: "المعروف بينهم أنَّ الجاهل القاصر غير مستحقّ للعقاب، وهو الصحيح؛ إذ العقل مستقلّ بقبح العقاب على أمر غير مقدور، وإنَّه من أوضح مصاديق الظلم، فالجاهل القاصر معذور غير معاقب على عدم معرفة الحقّ بحكم العقل إذا لم يكن يعانده، بل كان منقادًا له على إجماله"[48].
وتماشيًّا مع ما تقدَّم من معذوريّة القاطع في ما قطع به قال محمّد رضا المظفّر: "لو بحث الشخص عن صحّة الدين الإسلاميّ، فلم تثبت له صحّته، وجب عليه عقلاً – بمقتضى وجوب المعرفة والنظر - أن يبحث عن صحّة دين النصرانيّة؛ لأنّه هو آخر الأديان السابقة على الإسلام، فإنْ فحص، ولم يحصل له اليقين به أيضًا، وجب عليه أن ينتقل، فيفحص عن آخر الأديان السابقة عليه، وهو دين اليهوديّة حسب الفرض...وهكذا ينتقل في الفحص حتّى يتمّ له اليقين بصحّة دين من الأديان أو يرفضها جميعًا"[49].
إنَّ ما مرَّ يؤكِّد أهمّيّة البحث عن الحقيقة، ودورها الأساس في ترتيب آثار الآخرة، وهذا ما يبرِّر العدد الكبير للآيات القرآنيّة الحاكية عن الكون وما فيه، داعية إلى التفكُّر وإعمال العقل تارةً بصيغة: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[50]، وأخرى بصيغة: ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[51]، وأخرى بصيغة: ﴿لآيَاتٍ لأُوْلِي الألبَابِ﴾[52]...إلى غيرها من الآيات.
- مصير الآخر باعتباره عمله
إنّ ما تقدّم كان حول مصير الآخر باعتبار عقيدته، أمّا مصيره باعتبار عمله، فإنّ ما يُفهم من النصوص الدينيّة كون العمل الإنسانيّ الكماليّ نوعًا من التجلّي للكمالات الإلهيّة، لذا كان محلّ نظرة رحمة من الله تعالى في النصوص الإسلاميّة التي نذكر منها:
- عن النبيّ(ص): "من أحسن من محسن مؤمن أو كافر فقد وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته"[53].
- ورد عن الإمام الباقر(ع): "إنَّ مؤمنًا كان في مملكة جبَّار فولع به، فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك، فأظلّه وأرفقه وأضافه، فلمّا حضره الموت أوحى الله عزّ وجلّ إليه: وعزّتي وجلالي، لو كان لك في جنّتي مسكن لأسكنتُك فيها، ولكنّها محرَّمة على من مات بي مشركًا، ولكن يا نار، هيديه ولا تؤذيه، ويؤتى برزقه طرفي النهار"[54].
- عن الإمام الكاظم(ع): "كان في بني إسرائيل رجل مؤمن وكان له جار كافر، وكان يرفق بالمؤمن، ويوليه المعروف في الدنيا، فلما أن مات الكافر بنى الله له بيتًا في النار من طين، فكان يقيه حرّها، ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا بما كنت تدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرّفق، وتوليه من المعروف في الدنيا"[55].
- التعامل مع الآخر
إنّ ما ذكرنا من نظرة الله تعالى الرحمانيّة على من يقوم بعمل إنسانيّ، بغضّ النظر عن معتقده، انعكس على تعامل رسول الإسلام (ص) مع الآخر في أدائه الإنسانيّ، وهذا ما تشهد به سيرته الشريفة في تعامله مع الآخرين، والتي نعرض منها موقفه من ابنة كريم العرب حاتم الطائي الذي مات مشركًا، وجيء بعد ذلك بابنته وقومها أسرى إلى رسول الله (ص)، فقالت له: يا محمّد، إنْ رأيت أن تخلّي عنّا، ولا تُشمّت بنا أحياء العرب؛ فإنّي ابنةُ سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذِّمار[56]، ويفكّ العاني[57]، ويُشبع الجائع، ويكسو العاري، ويُقري الضّيف، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قطّ، أنا ابنة حاتم الطائيّ، فقال لها النبيّ (ص): "يا جارية، هذه صفة المؤمن حقًّا، لو كان أبوك مسلمًا لترحّمنا عليه، خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يُحبّ مكارم الأخلاق"[58].
ولم يقتصر الأمر على التعامل الإيجابيّ انطلاقًا من العمل الإنسانيّ أو الصفة الإنسانيّة، بل ورد في النصوص الإسلاميّة ما يُفيد احترام الإنسان كإنسان بغضّ النظر عن عقيدته أو صفته أو عمله، وهذا ما ينسجم مع ما تقدَّم من كون الإنسان محورًا في الكون، وأنّ كماله غاية الخلق وغاية الإيجاد.
فمشروع الله عزّ وجلّ هو المشروع الإنسانيّ، لذا فإنَّ الله تعالى حينما تحدَّث عن الكعبة التي هي بيت الله العتيق الذي لم يسكنه ولم يملكه أحد، قال: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلعالميّنَ﴾[59]، ولم يقل وُضع لله، وذلك لأنّ وضْعَه للنّاس هو ذاته وضعُهُ لله، من هنا كان محمّد باقر الصدر يقول: إنْ أبدلنا قولنا: "في سبيل الله" بقولنا: "في سبيل النّاس" لما تغيَّر المعنى. لذا ورد عن رسول الإسلام (ص) أنّه قال: "الخلقُ كلُّهم عيال الله، فأحبُّهم إلى الله عزّ وجلّ أنفعهم لعياله"[60].
ويواكب الإمام علي بن أبي طالب(ع) الطرح النبوي في نهج البلاغة بتصنيفه الناس قائلاً: "فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ"[61].
وانطلاقًا من هذه الرؤية كان النبيّ (ص) في حروبه (الدفاعيّة) يُحذِّر المجاهدين بقوله: "لاَ تَغُلُّوا، ولاَ تمثّلوا، ولاَ تَغْدِرُوا، ولاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًّا، ولاَ صَبِيًّا، ولاَ امْرَأَةً"[62].
ولإجلاء الصورة أكثر في هذه الرؤية الإسلاميّة التي تدعو إلى احترام الإنسان كإنسان، نعرض بعض الأحاديث الواردة في بيان معاملة الكافر:
مساواة الكافر مع المسلم في الشهادة عليه
ورد عن النبيّ محمّد (ص): "من شهد شهادة زور على مسلم أو كافر علّق بلسانه يوم القيامة، ثمّ يصير مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار"[63].
وجوب برّ الكافر أبًا وأمًّا
ورد عن النبيّ (ص): "ثلاث ليس لأحد من الناس فيه رخصة: برّ الوالدين مسلمًا كان أو كافرًا..."[64].
احترام حقّ الكافر جارًا
ورد عن النبيّ (ص): "الجيران ثلاثة، فمنهم من له ثلاثة حقوق: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، وحقّ القرابة، ومنهم من له حقّان: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، ومنهم من له حقّ واحد، الكافر له حقّ الجوار"[65].
الوفاء بعهد الكافر
في الحديث السابق عنه (ص): "...والوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافرًا"[66].
وجوب أداء الأمانة له
في الحديث السابق عنه (ص): "...وأداء الأمانة لمسلم كان أو كافرًا"[67].
حماية الكافر المستجير
في سيرة النبيّ محمّد (ص) أنَّ صاحبه عتبة بن أَسيد بعدما هاجر إلى المدينة مسلمًا، أخذه منها رجلان مشركان وأرادا إرجاعه إلى دار الكفر، وفي الطريق قتل عتبةُ أحدَهما، وفرَّ الآخر، ويدعى كوثر نحو المدينة، فلحقه عتبة، فإذا بالمشرك كوثر يأتي إلى رسول الله (ص)، وهو جالس بين أصحابه، ويستغيث به قائلاً: "قتل والله صاحبكم صاحبي، وأفلت منه، ولم أكَدْ، وإنّي لمقتول"، فإذا بالنبيّ محمّد (ص) يعطيه الأمان والحماية[68].
- دعاء الكافر المظلوم مستجاب
ورد عن النبيّ (ص): "إيّاكم ودعوة المظلوم، وإن كان من كافر؛ فإنّها ليس لها حجاب دون الله عزّ وجلّ"[69]، وورد أنَّ أبا ذر سأل النبيّ (ص): "يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم (ع)؟، قال (ص): "كانت أمثالاً كلّها، وكان فيها (أيها الملك المبتلى المغرور، إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لتردّ عليّ دعوة المظلوم، فإنّي لا أردّها، وإنْ كانت من كافر"[70].
دفن الكافر
ورد عن بعلة بن مرّة قال: "سافرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان لا يمرّ بجيفة إنسان فيجاوزها حتّى يأمر بدفنها، لا يسأل: أمسلم هو أم كافر؟"[71].
الآخر بين القبول والتكفير
قد يتعجّب البعض من مسار هذا البحث وما نتج عنه، لا سيّما أنّه قد يجده متناقضًا مع الثابت الدينيّ لدى المسلمين مِن تكفير غير المسلم، فكيف نوائم بين النظرة الإيجابيّة المتقدّمة إلى الآخر، وبين الحكم بكونه كافرًا؟
إنّ الإجابة عن هذه الإشكاليّة تنطلق من بيان معنى الكفر الذي هو عدم الإيمان[72]، فكلّ من لا يؤمن بشيء هو كافرٌ به، فالكفر بحدِّ ذاته ليس مصطلحًا سلبيًّا، لذا وصف الله تعالى المؤمنين بالكافرين بسبب عدم إيمانهم بالباطل، قال الله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾[73] وقال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾[74].
انطلاقًا من هذا فإنّ الدين الإسلاميّ وضع إطار الهويّة الدينيّة للمنتسبين إليه، وهو يتحقّق بشهادتيّ أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله[75]، أو الولادة من أبٍ مسلمٍ أو أمٍّ مسلمة. ومن هو ليس كذلك سمّاه كافرًا، وهذا يشابه مصطلح الأجنبيّ بالنسبة إلى اللبناني، مثلاً، الذي تتحقّق هويّته الوطنيّة من ولادته من أب لبنانيّ، أو إقامته أكثر من عشر سنوات في لبنان بشروط محدودة، ومن هو ليس كذلك يسمّى أجنبيًّا.
إذًا الإشكاليّة ليست في التكفير، أيّ اعتبار الآخر كافرًا. إنّما مكمن الإشكاليّة في الآثار المترتِّبة على الكفر، والتي ذكرنا في هذا البحث ما يجيب على العديد من الأسئلة المتعلّقة بها، إلاّ أنّه تبقى بعض الأحكام الشرعيّة المترتِّبة على الكفر نجيب عنها إكمالاً لهذا البحث.
الأحكام الشرعيّة المترتِّبة على تكفير الآخر
نذكر منها ما ورد في القرآن الكريم بنوعٍ من التفصيل، ثمّ نُتبِع ذلك بما ورد في السّنّة النبويّة إجمالاً.
-
الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكافر الواردة في القرآن الكريم
- حرمة اتخاذهم أولياء
قال الله تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ...﴾[76].
لمعرفة المراد من هذه الآية لا بدَّ أوّلاً من تحديد معنى كلمة "أولياء" التي هي جمع وليّ، الذي معناه السلطان[77]، فوالي البلد هو حاكمه وسلطانه، ووليُّ الميِّت هو "الذي يلي أمره، ويكون صاحب سلطة فيه، ووليّ المرأة هو الذي يلي عقد النكاح، ولا يدعها تستبدّ بعقد النكاح دونه"[78]. وقد أشار ابن الأثير في النهاية إلى أنَّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل[79].
والتفسير السابق ينسجم مع ما ذكره ابن فارس من أنّ أصل معنى الولاية هو القرب، فيقال: جلس ممّا يليني أيّ يقاربني[80]؛ وذلك لأنَّ معنى السلطة يتواءم مع كونها في موقع القرب من متعلّقها، فوليّ الميِّت هو قريبه، بل الأقرب له الذي له سلطة وتدبير في أموره، ووليّ المرأة هو قريبها، بل الأقرب لها ممّا يُتيح له مشاركتها في قرار الزواج، والسلطان هو القريب إلى شؤون إدارة المجتمع.
بناءً على ما تقدَّم فإنّ نهي القرآن الكريم عن اتّخاذ المؤمنين للكافرين أولياء يعني الرفض لتسلّط الكافرين على المؤمنين؛ باعتبارهم خارج المكوِّن الإيمانيّ الذي يجب أن يكون هو الأساس المولِّد للقرب، وبالتالي لشؤون السلطة والحاكميّة، لذا قال تعالى: ﴿المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾[81]. ولهذا رفض القرآن الكريم هذا النوع من الولاية من أيِّ عنوان يقع خارج ذلك المكوِّن الإيمانيّ. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾[82]، إلاّ أنّ هذا الحكم برفض التسلُّط من قبل غير التابعين للمكوَّن الإيمانيّ ليس له أثرٌ في أخلاقيّة التعامل مع من هو خارج هذا المكوِّن، لذا ورد في القرآن الكريم:
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾[83].
بناءً على ما سبق، فإنَّ حرمة اتّخاذ الكافرين أولياء تتعلّق بالحاكميّة والسلطة وهي ما أكّده القرآن الكريم بصيغٍ أخرى كقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾[84].
حرمة طاعتهم
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ﴾[85].
إنَّ حرمة طاعة الكافرين في هذه الآية تتماهى مع ما مرَّ من حرمة ولايتهم، فالطاعة هي القبول بنوع من تسلّط المُطاع على المطيع، والتعبير بالكافرين والمنافقين في متعلّق "لا تطع" يُشعر بكون موارد الطاعة المحرَّمة، هي الواقعة في دائرة الانقياد للكافرين والمنافقين من جهة كفرهم ونفاقهم.
حرمة مساندتهم
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلقَى إِلَيْكَ الكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلكَافِرِينَ﴾[86].
الظهير هو المُعين، مأخوذ من الظهر كالرئيس من الرأس، ومن الواضح قبح مساندة ومعاونة الفاسد في مفاسده، لذا كان من دعاء كليم الله موسى (ع): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلمُجْرِمِينَ﴾[87]؛ باعتبار أنَّ إعانة المجرم متنافية مع نعمة القوّة التي وهبها الله تعالى.
وفي الإطار ذاته، فإنّ الله تعالى بعد أن بشَّر نبيَّه محمّدا (ص) أنّه سيرجعه إلى مكّة بناءً على تفسير المعاد بها[88] في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾[89]، دعاه عزّ وجلّ بمقتضى نعمة السلطة والقوّة التي سيمنحهُ إيّاها، ألا يكون معينًا للكافرين على كفرهم، وما ينتج منه من إساءات.
وجوب جهادهم
وقد ورد فيه آيات عديدة، تقدَّم منها آية الجزية، وهنا نذكر البقيّة، وهي:
-
ما ورد بعنوان الجهاد، وفيه آيتان:
الأولى: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾[90].
الثانية: قوله تعالى: ﴿فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[91].
وردت كلمة الجهاد في القرآن الكريم بمعنى بذل الجهد الذي قد لا يكون بمعنى القتال، كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾[92].
بناءً عليه، فإنّ الأمر بجهاد الكافرين هو أمر ببذل الجهد في مقاومتهم التي قد تكون من خلال الحوار، وقد تنتهي بالقتال، على أنَّ قوله تعالى: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾[93] يراد منه "الشدَّة في ذات الله، وليس يعني بها الخشونة والفظاظة وسوء الخلق والجفاء، فجميع الأصول الدينيّة تذمُّ ذلك وتستقبحه"[94]، أمّا جهادهم بالقتال فنوضّحه في الآيات الآتية.
ما ورد بعنوان القتال في ساحة الحرب، وفيه ثلاث آيات:
الأولى: قوله تعالى: ﴿فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الكَافِرِينَ﴾[95].
والقتال في هذه الآية هو في ساحة الحرب المفروضة على المسلمين، فشرط شرعيّة القتل والدعوة إليه هو أن يبادر الكافرون بالقتال، فالحكم بكفرهم إنَّما هو من حيثيّة اعتدائهم، لا من جهة كفرهم.
الثانية: قوله تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حتّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا...﴾[96].
وهذه الآية، أيضًا واردة في القتال في ساحة الحرب، فليس فيها ما يدلُّ على كون قتال الكافرين من جهة كفرهم.
الثالثة: قوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾[97].
وهذه الآية إضافةً إلى كونها واردة في القتال في ساحة الحرب كسابقتها، فإنّ الظاهر من سياقها أنّ الأمر بالضرب فوق الأعناق، وضرب كلّ بنان موجَّه إلى الملائكة، ولعلَّ ذلك بمعنى التأثير في تركيزهم الفكريّ الذي مركزه الرأس، وهو المعبَّر عنه بـ فوق الأعناق، وشلّ قدرتهم الذي يَنْتُجُ من ضربّ كلّ بنان.
ما ورد بعنوان القتال للذين يخونون العهود،
وهو قوله تعالى: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾[98].
من الواضح أنَّ القتال في هذه الآية ليس من ناحية كفر الذين عبَّرت عنهم بأئمَّة الكفر، بل من جهة نكثهم للأيمان، وخيانتهم للعهود، وطعنهم في الدين.
. ما ورد بعنوان القتال للقريبين،
وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ﴾[99].
إنْ غضضنا النظر عن تفسير هذه الآية بجهاد النفس الأكبر بمخالفة هواها، كما ذكر ابن عربيّ[100] وغيره من المفسِّرين[101]، فإنَّ الآية لا تسلِّط وجوب القتال على الكافرين بشكل مباشر، بل ربطته بالذين "يلونكم" أيّ القريبين منكم، وعلى تفسير هذا القرب بالمكانيّ، كما هو المنبثق منه، وبأنَّ المكان هو "دولة" الإسلام[102]، يكون المعنى بالتعبير الحديث: الذين هم على حدود بلادكم.
بناءً على ما تقدَّم، ذهب العديد من المفسِّرين إلى أنَّ هذه الآية تشير إلى التدرُّج بالقتال، الأقرب من الكفَّار فالأقرب[103]، وقد علَّلوا ذلك بأنَّه "لا يمكن قتال جميع الكفَّار وغزو جميع البلاد في زمان واحد، فكان مَنْ قَرُب أولى ممَّن بَعُد"[104]. وقال بعضهم: "المراد قاتلوا الأقرب فالأقرب حتّى تصلوا إلى الأبعد فالأبعد، وبذلك يحصل الغرض من قتال المشركين كافَّة، فهذا إرشاد إلى طريق تحصيله على الوجه الأصلح"[105].
ملاحظات على التفسير بقتال الأقرب
تردُ على التفسير السابق، بكون وجوب القتال منصبًّا على الكافرين الأقرب فالأقرب، الملاحظات الآتيّة:
الملاحظة الأولى: لا يمكن الالتزام بإطلاق وجوب القتال لكلّ الكافرين الأقرب مكانيًّا، أو قتل المُقيمين على حدود الدولة الإسلاميّة، وذلك لوجود استثناءات واضحة في التطبيق النبويّ في حروبه مع الكافرين، فقد استثنى (ص) أفرادًا وطوائف بأعيانها كالأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الأديرة، والسبب في ذلك هو ما عبَّر عنه سيّد قطب: "بوصفهم غير محاربين، فقد منع الإسلام أن يقاتل غير المحاربين من آية ملَّة، وهؤلاء لم تستثنهم الأوامر النبويّة؛ لأنّه لم يقع منهم اعتداء بالفعل على المسلمين، ولكن لأنّه ليس من شأنهم أن يقع منهم الاعتداء "[106].
إذًا سبب الأمر بقتال الكافرين هو اعتداؤهم، وليس كفرهم العقائديّ، وإلاّ فإنّ من جرى استثناؤهم من غير الأطفال هم كافرون في عقيدتهم، ومع ذلك لا يجوز قتالهم.
والغريب من سيّد قطب أنّه أصرَّ، رغم إيمانه بالاستثناء السابق، على كون العلَّة في وجوب قتال الكافرين هو كفرهم، بغضّ النظر عن اعتدائهم الفعليّ على المسلمين وديارهم، معلِّلاً ذلك بأنَّ كفرهم بذاته هو اعتداء على ألوهيّة الله، وعلى العباد بتعبيدهم لغير الله[107]، وقد اعتبر أنّ هذه الآية تفيد أنّ الانطلاق بهذا الدين هو الأصل الذي ينبثق منه مبدأ الجهاد، وليس مجرَّد الدفاع[108].
كما الملاحظ في كلام قطب أنَّه يناقض نفسه بنفسه، فلو كان الكفر ناتجًا من كونه اعتداءً على الألوهيّة، وتعبيدًا للناس لغير الله، فكيف يتمّ استثناء النساء والشيوخ والرهبان، مع أنَّهم كافرون، وهم – بحسب تعبير سيِّد قطب – معتدون على ألوهيّة الله؟ إضافةً إلى أنّ تقدّم السنّ والأنوثة لا يُضعفُ عن تعبيد الناس لغير الله، بل قد يفوق الشيخُ الشابَّ، والمرأةُ الرجلَ في ذلك التعبيد.
إنَّ هذا الاستثناء المذكور لا يتواءم إلاّ مع كون المستثنين غير معتدين اعتداءً فعليًّا على المسلمين ومجتمعهم وديارهم، بسبب ضعفهم العمليّ عن تحقيق الاعتداء.
الملاحظة الثانية: أنَّ هذه الآية فيها احتمالان:
الاحتمال الأوّل: أنْ يراد منها ما يفيد أنَّ قربَ الكافرين الحدوديّ هو علّة الدعوة إلى وجوب قتالهم، بحيث يجري الحكم في كلِّ مورد يكون الكافرون فيه قريبين حدوديًّا من "دولة" الإسلام.
ويُرَدُّ عليه أنَّ التأمُّل بالحكمة الإلهيّة ومقاصدها يُبعد كون مجرَّد القرب المكانيّ هو علَّة لتقديم قتال كافرين على كافرين آخرين، بل لا بدَّ أن تكون حكمة وجوب القتال بسبب الخطر من اعتداء الكافرين القريبين، فهل من الحكمة أن يُتمسَّك بإطلاق هذه الآية لتوجيه وجوب القتال على الذين لا خطر منهم، مع ترك أولئك الذين يشكِّلون تلك الخطورة؟!
بناءً على ما تقدَّم، فإنَّ القرب المسوِّغ للحكم بالقتال لا بدَّ أن يقترن بالخطر من الاعتداء، وعلى هذا الأساس يكون الحكمُ الصحيح هو تقديم قتال الكافرين المعتدين القريبين على غير الكافرين المعتدين، وبالتالي فإنَّ حيثيّة الحكم بالقتال تكون الاعتداء، وليس الكفر المقارن للقرب فقط، على أنَّ كلمة "يلونكم"، بحسب ما مرَّ من معنى الولاية وهو السلطان "المطعَّم" بمعنى القرب، قد تُشْعر بنوع من تسلُّط الكافرين القريبين، ممّا يعزّز من كون خطر الاعتداء هو ما شكَّل خلفيّة للحكم بالقتال، وإن كان الانبثاق الأوّليّ لا يساعد كثيرًا على تبنّي هذا المعنى.
وقد أحسن الطبرسيّ في مجمع البيان حينما ذكر استثناءً في حكم القتال في الآية قائلاً: "أيّ قاتلوا من قرب منكم من الكفّار الأقرب منهم فالأقرب... (إلى أن قال:) إلاّ أن يكون بينهم وبين الأقرب موادعة"[109]؛ فإنَّه قد يُكتفى لتحقّق الموادعة بعدم وجود خوف من الاعتداء، وهذا يتناسب مع ما خلص إليه الطبرسيّ في تفسيره للآية إلى كون الحكم فيها في مقام الدفاع، إذ قال: "وفي هذا دلالة على أنَّه يجب على أهل كلّ ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الإسلام"[110].
الاحتمال الثاني: أن تكون في مقام الحديث عن مورد محدّد في وقت نزولها، وهو السنة التاسعة للهجرة[111]، والأرجح أن يكون المراد من هؤلاء الكافرين هو الروم كما تبنَّى أو رجَّح ذلك عدّة مفسِّرين[112].
بناءً على هذا الاحتمال لا يصحّ الاستدلال بهذه الآية على أنَّ الحكم بوجوب القتال يشمل جميع الكافرين القريبين، بحيث يمكن تعميمه على كلِّ من يحمل صفتي الكفر والقرب، إلاّ أنّ ما يضعفه هو القاعدة المعروفة الجارية على آيات القرآن الكريم، وهي أنَّ المورد لا يخصِّص الوارد، فإن كان مورد نزول الآية خاصًّا ومحدّدا، فإنَّ الآية لا يضيق تفسيرها به، بل يتعامل مع المورد كمثال ومصداق، وتبقى الآية على إطلاقها بحسب ما اشتملته من خصائص. نعم يمكن أنْ يقال: إنَّ في مورد الآية خصوصيّة لا بدَّ من ملاحظتها في تعميم الحكم الوارد في الآية، وهي أنَّ الروم كانوا في حالة استعداد للاعتداء على المسلمين، وبالتالي فإنَّ وجوب قتال الكافرين يقتصر على الكافرين القريبين الذين يشكِّلون خطرًا من خلال اعتدائهم على المجتمع الإسلاميّ.
إنَّ هذه النتيجة تنسجم مع قوله تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[113]، فإنَّ هاتين الآيتين تؤكِّدان على التفريق في المعاملة بين المعتدين على المسلمين المقاتلين لهم، وغيرهم، ففي حين تنهى عن تولِّي أولئك المعتدين، فإنَّها تدعو إلى العدالة والتعامل بالإحسان مع غيرهم، فكيف بقتالهم الابتدائيّ، وهم خارجون بالمطلق عن حالة الاعتداء على المجتمع الإسلاميّ؟
والقول بأنَّ هاتين الآيتين قد نسختا بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾[114] هو غير صحيح؛ وذلك لأنّ من الشروط الأساسيّة للنسخ أن تكون الآية الناسخة حاكية عن الدلالة نفسها في الآية المنسوخة، وهذا غير متحقِّق فيما نحن فيه، فآية ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾[115] لا تشمل بإطلاقها أهل الحرب كما هو واضح، وإنّما تختصّ بالمسالمين كأهل الذمّة وأهل المعاهدة، بينما آية ﴿فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾[116] إنّما تقصد أهل الحرب من المشركين، وعليه فكيف تنسخ ما لا يزاحمها في الدلالة؟![117].
-
. انفصال الزوجين عند تعدّد الإيمان والكفر فيهما
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ﴾[118].
إنَّ هذه الآية واضحة في أمرين:
الأوَّل: أنَّ مِن آثار الكفر انفصال زوجات الكافرين المؤمنات المهاجرات عنهم، لكن هذا الحكم لا يكون إلاّ بعد التأكُّد من أنَّ هجرتهنَّ إنَّما كانت لأجل الإيمان، لا لأجل الدنيا، أو لعداوة بينهنّ وبين أزواجهنّ، وهذا هو المراد من الأمر بامتحانهنَّ في الآية السابقة[119] التي اشترطت إعطاء أزواجهنَّ ما أنفقوا عليهنَّ من مهور[120].
الثاني: أنَّ من آثار الكفر انفصال الزوجة الكافرة عن الزوج المسلم؛ إذ معنى قوله تعالى: "وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ"، هو أنّه يحرم الإمساك بعصمتها، أيّ بنكاحها، باعتباره يعصم المرأة ويحصّنها، وهذا يعني أنَّه يحرم إبقاؤها على الزوجيّة السابقة، إلاّ أن تؤمن، فتمسك بعصمتها"[121].
-
الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكافر الواردة في السّنّة النبويّة
تبقى جملة من الأحكام الشرعيّة الواردة في السُّنّة النبويّة من قبيل أحكام الميراث والزواج والتجهيز بعد الوفاة وغيرها ممّا لا يتنافى مع الرؤية السابقة، إذ تعود فلسفة هذه الأحكام إلى حفظ الانتماء إلى الهويّة الإسلاميّة، وتعقيد نوافذ الخروج منها، لضمان بقاء النسيج الاجتماعيّ المتماهي، وحمايته ممّا قد يُشكِّل خطرًا على تماسكه.
خاتمة
إنّ ما تقدَّم في هذا البحث يؤكِّد أنّ الدّين خيمة الله التي تغطّي المنتسبين إليه بلباس الكمال، وتُظلِّل سائر النّاس لتجذبهم إلى داخلها، وهو الجوهرة التي تضيء بنورها دروب الناس المفطورين على حبّ الكمال، وهو المنظومة المتناسقة التي يُبهِر جمالَها النّاظرين، ويجذب جمالُها كلّ ذي بصر.
لكن، وبكلّ أسفٍ، ضيَّق البعض لباس الخيمة، ونسجها على مقاسه، وطيَّن البعض تلك الجوهرة بما أخفى شعاعها، وأفلت البعض حبّات تلك المنظومة من نظامها الجامع، فبدل أن يتمّ ظهور الدِّين، ظهر الإلغاء والإقصاء والتكفير.
وهذا ما يجعلنا أمام تحدٍّ في بيان حقيقة النظرة الدينيّة إلى الآخر، والتي لا بدّ للوصول إليها من فهم المنظومة الدينيّة التي تتواءم فيها الفطرة الصافية مع العقل القطعيّ والنصوص الدينيّة في سياقاتها الموضوعيّة المترابطة، لنُطلق من خلال ذلك الخطاب الدينيّ الأصيل، المنفتح على الآخر، الداعي له إلى تلك الخيمة، المضيء دربه بنور الجوهرة، الجاذب به إلى تلك المنظومة، عسانا نخطو خطوةً نحو ظهور الدِّين.
[1] من "الجوييم" وهي كلمة عبريّة يقابلها في العربيّة كلمة "الأغيار"، وهي تستخدم للإشارة إلى غير اليهود.
[2] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 30.
[3] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 30.
[4] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 30.
[5] القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية 72.
[6] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 29.
[7] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 13.
[8] القرآن الكريم، سورة إبراهيم، الآيتان:32-33.
[9] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 14.
[10] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 10.
[11] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 4.
[12] القرآن الكريم، سورة الصف، الآية 9.
[13] القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآية 110.
[14] القرآن الكريم، سورة القلم، الآية 4.
[15] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 159.
[16] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 128.
[17] الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، (لا، ط)، قم، مكتبة المرعشي النجفي، (لا، ت)، ج5، ص 149.
[18] الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ط1، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة، 1374هـ، ص 152.
[19] القرآن الكريم، سورة الشعراء، الآية 3.
[20] القرآن الكريم، سورة فاطر، الآية 8.
[21] الطبرسي، الحسن، مكارم الأخلاق، ط6، (لا، م)، منشورات الشريف الرضي، 1393هـ، ص8.
[22] ابن طاووس، علي، إقبال الأعمال، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، ط1، (لا، م)، مكتب الإعلام الاسلاميّ، 1414هـ، ج1، ص 384.
[23] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 64.
[24] القرآن الكريم، سورة القلم، الآية 42.
[25] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 88.
[26] أنظر: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، ط2، قم، طليعة النور، 1427هـ، ص 436.
[27] أنظر: شمس الدين، محمّد جعفر، دراسات في العقيدة الإسلاميّة، ط2، (لا، م)، 1979م، ص 152.
[28] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 29.
[29] انظر مغنيّة، محمّد جواد، التفسير الكاشف، ط3، بيروت، دار العلم للملايين، 1981، ج4، ص32.
[30] انظر الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن، ط2، قم، مكتب نشر الكتاب، 1404هـ، ص 93/ الطباطبائي، محمّد حسين، تفسير الميزان، (لا، ط)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (لا، ت)، ج9، ص 242.
[31] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 29.
[32] انظر الرازيّ، فخر الدين، التفسير الكبير، ط30، قم، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1411هـ، ج16، ص 30.
[33] الطباطبائي، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج9، ص 242.
[34] ذكر هذه الروايّة الشيخ الصدوق في كتابه الأمالي بروايته عن ابراهيم بن شعيب الميثمي، قال: سمعت الصادق أبا عبد الله (ع) يقول: إن الحسين بن علي (ع) لما ولد أمر الله عز وجل جبرئيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنئ رسول الله (ص) من الله ومن جبرئيل، قال: فهبط جبرئيل، فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له: فطرس، كان من الحملة، بعثه الله عز وجل في شيء فأبطأ عليه، فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة، فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبمعمائة عام حتّى ولد الحسين (ع)، فقال الملك لجبرئيل: يا جبرئيل، أين تريد؟ قال: إن الله عز وجل أنعم على محمّد بنعمة، فبعثت أهنئه من الله ومني، فقال: يا جبرئيل، احملني معك، لعل محمّدا (ص) يدعو لي. قال: فحمله، قال: فلما دخل جبرئيل على النبي (ص): قل له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين (ع) وارتفع، فقال: يا رسول الله، أما إن أمتك ستقتله، وله علي مكافأة، ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته، ثمّ ارتفع. (الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، مؤسسة البعثة، 1417هـ).
[35] القرآن الكريم، سورة التحريم، الآية 6.
[36] ابن حنبل، احمد، مسند أحمد، (لا، ط)، بيروت، دار صادر، (لا، ت)، ج2، ص 218.
[37] القرآن الكريم، سورة النمل، الآيات 12-14.
[38] الطوسي، محمّد، تجريد الاعتقاد، تحقيق محمّد جواد الحسين الجلالي، ط1، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1407، ص304-305.
[39] انظر: المظفّر، محمّد رضا، أصول الفقه، ط1، بيروت، دار التعارف، 1983، ج1، ص 195.
[40] القرآن الكريم، سورة النساء، الآيات 97-99.
[41] الطباطبائي، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج5، ص51.
[43] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق عليّ أكبر الغفاريّ، ط4، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1365هـ، ج2، ص 383.
[44] القمي، محمّد تقي، القوانين، (لا، ط)، (لا، م)، (لا، ن)، (لا، ت)، ج2، ص 104.
[45] الطوسي، نصير الدين، تلخيص المحصّل، ط2، بيروت، دار الأضواء، 1985م، ص 400.
[46] الخميني، روح الله، المكاسب المحرّمة، قم، مهر، 1381، ج1، ص 133-134.
[47] الخراسانيّ، محمّد كاظم، كفاية الأصول، (لا، ط)، قم، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، (لا، ت)، ص379.
[48] البهسوديّ، محمّد، مصباح الأصول، ط5، قم، مكتبة الداوي، 1417هـ، ج2، ص237-238.
[49] المظفّر، محمّد رضا، عقائد الإماميّة، تحقيق حامد مغني داود، (لا، ط)، قم، أنصاريان، (لا، ت)، ص 62.
[50] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 11.
[51] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 164.
[52] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 190.
[53] الصنعانيّ، عبد الرزّاق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، (لا، ط)، (لا، ن)، (لا، ت)، ج3، ص173.
[54] المصدر السابق، ج2، ص 189.
[55] الصدوق، ثواب الأعمال، تحقيق محمّد الخرسان، ط2، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368ش، ص 169.
[56] ما ينبغي حياطته والذّود عنه، كالأهل والعرض.
[58] الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، (لا، ط)، بيروت، دار التعارف، (لا، ت)، ج1، ص 287.
[59] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 96.
[60] الحرّ العاملي، الحسن بن محمّد، وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، ط2، قم، 1414هـ، ج16، ص345.
[61] الإمام علي، نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي، تحقيق محمّد عبده، ط1، قم، دار الذخائر، 1412هـ، ج3، ص84.
[62] الكليني، محمّد، الكافي، تحقيق عليّ أكبر الغفاريّ، ط4، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1365هـ.، ج5، ص27.
[63] الهيثمي، علي بن أبي بكر، بغيّة الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق مسعد عبد الحميد محمّد السعدني، (لا، ط)، القاهرة، دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير، (لا، ت)، ص 74.
[64] المناوي، محمّد، فيض القدير، تحقيق أحمد عبد السلام، ط1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415هـ. ج3، ص 403-404.
[65] البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص89. ومثله ورد في: ابن حجر، شهاب الدين، فتح الباري، ج10، ص370. السيوطيّ، جلال الدين، الجامع الصغير، ج1، ص565. ابن كثير، اسماعيل، تفسير ابن كثير، ج1، ص507.
[66] المناوي، محمّد، فيض القدير، ج3، ص 403-404.
[68] الطبريّ، محمّد، تاريخ الطبريّ، ط4، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1403هـ، ج2، ص284./ ابن هشام، عبد الملك، سيرة النبيّ (ص)، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، (لا، ط)، بيروت، دار الفكر، 1981م، ج3، ص787./ الواقديّ، محمّد، المغازي، تحقيق مارسدن جونس، (لا، ط)، إيران، دانش إسلامي، 1405 هـ، ج1، ص626.
[69] المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمّال، (لا، ط)، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409هـ. ج 3، ص 502.
[70] الصدوق، محمّد، الخصال، تحقيق عليّ الغفاريّ، (لا،ط)، قم، جماعة المدرسين،1403هـ، ص 525. وقريب عنه ورد في: المناوي، محمّد، فيض القدير، ج1، ص 163.
[71] الدارقطني، علي، سنن الدارقطني، تحقيق مجدي بن منصور السيّد الشوريّ، ط1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1417هـ. ج4، ص64.
[72] انظر، ابن منظور، محمّد، لسان العرب،، (لا. ط)، بيروت، دار صادر، (لا. ت)، ج5، ص 144-148.
[73] القرآن الكريم، سورة غافر، الآية 84.
[74] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية 4.
[75] أنظر: بركات، أكرم، التكفير، ط4، بيروت، بيت السراج للثقافة والنشر، 2017، ص 46 – 82.
[76] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 28.
[77] ابن منظور، محمّد، لسان العرب، ج15، ص 407.
[79] ابن الأثير، مجد الدين، النهايّة في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود الطناحي، ط4، قم، إسماعيليان، 1364هـ، ج5، ص227.
[80] ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، (لا. ط)، قم، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ، ج6، ص 141.
[81] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 71.
[82] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 51.
[83] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية 8.
[84] القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 141.
[85] القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية 1.
[86] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 86.
[87] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 17.
[88] الطباطبائي، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج5، ص 375.
[89] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 85.
[90] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 73.
[91] القرآن الكريم، سورة الفرقان، الآية 52.
[92] القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية 69.
[93] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 73.
[94] الطباطبائي، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج 9، ص 404-405.
[95] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 191.
[96] القرآن الكريم، سورة محمّد، الآية 4.
[97] القرآن الكريم، سورة الأنفال، الآية 12.
[98] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 12.
[99] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 123.
[100] ابن العربيّ، محيي الدين، تحقيق مصطفى غالب، ط2، طهران، ناصر خسرو، 1978، ج1، ص516.
[101] انظر المناوي، محمّد، فيض القدير، تحقيق أحمد عبد السلام، ط1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415هـ، ج2، ص 40.
[102] احترازًا من تفسير الأقرب بأنّه كذلك بالنسبة إلى الدار أو النسب، (انظر: الثعلبي، أحمد، الكشف والبيان، تحقيق أبي محمّد بن عاشور، ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 2002م، ج5، ص110).
[103] انظر الطبري، ابن جرير، محمّد، جامع البيان، تحقيق صدقي جميل العطَّار، (لا، ط)، بيروت، دار الفكر، 1995م، ج11، ص 95. ابن الجوزي، أبو الفرج، زاد المسير، تحقيق محمّد بن عبد الرحمن عبد الله، ط1، بيروت، دار الفكر، 1987م، ج3، ص 352. الرازيّ، فخر الدين، التفسير الكبير، ط30، قم، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1411هـ، ج16، ص 228. القرطبيّ، محمّد، الجامع لأحكام القرآن، (لا، ط)، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1965م، ج8، ص 297. البيضاوي، عبد الله، تفسير البيضاوي، (لا، ط)، بيروت، دار الفكر، (لا، ت)، ج3، ص 183. ابن كثير، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، (لا، ط)، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، (لا، ت)، ج2، ص 650.
[104] الآلوسي، محمود، روح المعاني، ط4، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1985م، ج11، ص49.
[105] الآلوسي، محمود، روح المعاني، ج11، ص49.
[106] قطب، سيّد، في ظلال القرآن، ط12، بيروت، دار الشروق، 1986م، ج3، ص 1632.
[107] قطب، سيّد، في ظلال القرآن، ط12، بيروت، دار الشروق، 1986م، ج3، ص 1632.
[109] الطبرسيّ، الفضل، مجمع البيان، تحقيق هاشم الرسوليّ المحلاّتي وفضل الله اليزدي الطباطبائيّ، ط1، بيروت، دار المعرفة، 1989م، ج5، ص 127.
[110] الطبرسيّ، الفضل، مجمع البيان، ج5، ص 127.
[111] الطبرسيّ، الفضل، تفسير جوامع الجامع، تحقق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط1، قم، 1418هـ، ج2، ص 104.
[112] انظر الشوكاني، محمّد، فتح القدير، (لا، ط)، (لا، م)، عالم الكتب، (لا، ت)، ج2، ص417. الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير القرآن، ط2، قم، مدرس الإمام أمير المؤمنين (ع)، (لا، ت)، ج6، ص 272.
[113] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآيتان 8-9.
[114] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 5.
[115] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية 8.
[116] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 5.
[117] أنظر: الطباطبائيّ، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج19، ص 234.
[118] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية 10.
[119] الطوسيّ، محمّد، التبيان، تحقيق أحمد قصير، مكتب الإعلام الإسلاميّ، ط1، 1409هـ، ج9، ص 583. الطبريّ، ابن جرير، محمّد، جامع البيان، ج28، ص85.
[120] الطوسيّ، محمّد، التبيان، ج9، ص 585. الرازيّ، فخر الدين، التفسير الكبير، ج29، ص 305/ الآلوسي، روح المعاني، ج28، ص 75.
[121] انظر، الطباطبائيّ، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج2، ص 204، وج19، ص 239.